كثير من البصراء الحافظون لكتاب الله تعالى يأوون إلى المساجد ويتحلقون بها ليذكروا الناس بمرآهم ومحضرهم تفقدهم والإحسان إليهم، ولكن أكثر الناس عنهم غافلون؛ إذ لا يدعونهم إلا في المآتم والمواسم وتلك أوقاتها قليلة لا يكفي ما يعطونه فيها لسد ضرورتهم وحاجاتهم وفيهم من له عيال وأولاد وحاجات مهمة لا تخفى من كراء بيت وما يستتبعه. فهم أحق الناس بالعناية بهم وبرهم ويعلم الله أني كلما رأيت بصيرًا منهم يكاد قلبي يتفطر أسفًا على حاله لا سيما إذا رأيته يستجدي بالتلاوة فحسبنا الله ونعم الوكيل. فأين المياسير وأين أهل الخير وأين الذين يذكرون قوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} فوا رحمتاه للبؤساء ولا سيما البصراء، ألم ينظروا إلى البلاد التي يقال بأن عنايتهم تجاوزت إلى البصراء فشادوا لهم ملاجئ لتعليمهم الكتابة والقراءة والصناعة فأين نحن عن اللحاق بهذه الفضائل ومتى نرى روح الخير والبر دبت في عروق الذين لا يهمهم إلا أن يجمعوا ويمنعوا ويتقاطعوا ولا يتواصلوا، وبالجملة فالبصير الحافظ للقرآن الكريم أحق بالإحسان من غيره لجمعه بين المسكنة والتعفف وفضيلة الحفظ، وهكذا يقال عن خدمة المسجد ومؤذنيه والمنقطعين إليه، ومثلهم المتعففون الذين يأوون إلى المساجد أو الزوايا من ذوي الحسب أو النسب أو من هم من ذرية صوفية وصالحين ممن قعد بهم الحظ وأضعفهم العجز عن الكسب والتكسب فهؤلاء من أجدر الناس بالإحسان إليهم والتصدق عليهم وإن كان عليهم لباس الغنى فإن ذا الفراسة الإيمانية يعلم أن لباسهم هذا ينطوي على حاجة ومسكنة إلا أن التعفف والحياء سترها، وقد قال تعالى في مثل هؤلاء:{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ، لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس" ١. رواه مالك والإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة. وما ألطف قول حافظ إبراهيم أديب مصر: