ثم قال رحمه الله بعد ما تقدم: ومما يبين هذا الأصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر هو وأبو بكر ذهبا إلى الغار الذي بجبل ثور، ولم يكن على طريقهما بالمدينة فإنه من ناحية اليمن، والمدينة من ناحية الشام، ولكن اختبأا فيه ثلاثة لينقطع خبرهما عن المشركين فلا يعرفون أين ذهبا فإن المشركين كانوا طالبين لهما وقد بذلوا في كل واحد منهما ديته لمن يأتي به وكانوا يقصدون منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إلى أصحابه بالمدينة وأن لا يخرج من مكة، بل لما عجزوا عن قتله أرادوا حبسه بمكة فلو سلك الطريق ابتداء لأدركوه فأقام بالغار ثلاثًا لأجل ذلك فلو أراد المسافر من مكة إلى المدينة أن يذهب إلى الغار ثم يرجع لم يكن ذلك مستحبًّا بل مكروهًا والنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة سلك طريق الساحل لأنها كانت أبعد من قصد المشركين. ثم قال: ولم يكن أحد من الصحابة يذهب إلى الغار للزيارة والصلاة فيه، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أقاما به ثلاثا يصلون فيه الصلوات الخمس ولا كانوا أيضًا يذهبون إلى حراء وهو المكان الذي كان يتعبد فيه قبل النبوة وفيه نزل عليه الوحي أولا، وكان هذا مكانًا يتعبدون فيه قبل الإسلام فإن حراء أعلى جبل كان هناك فلما جاء الإسلام ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة مرات بعد أن أقام بها قبل الهجرة بضع عشرة سنة، ومع هذا فلم يكن هو ولا أصحابه يذهبون إلى حراء. ولما حج النبي صلى الله عليه وسلم أستلم الركنين اليمانيين