للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يستلم الشاميين لأنهما لم يبنيا على قواعد إبراهيم فإن أكثر الحجر من البيت والحجر الأسود استلمه وقبله واليماني استلمه ولم يقبله وصلى بمقام إبراهيم ولم يستلمه ولم يقبله. فدل ذلك على أن التمسح بحيطان الكعبة غير الركنين اليمانيين وتقبيل شيء منها غير الحجر الأسود ليس بسنة ودل على أن استلام مقام إبراهيم وتقبيله ليس بسنة، وإذا كان هذا نفس الكعبة ونفس مقام إبراهيم فمعلوم أن جميع المساجد حرمتها دون الكعبة وأن مقام إبراهيم بالشام وغيرها وسائر مقامات الأنبياء دون المقام الذي قال الله فيه {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} فعلم أن سائر المقامات لا تقصد للصلاة فيها كما لا يحج إلى سائر المشاهد ولا يتمسح بها ولا يقبل شيء من مقامات الأنبياء ولا المساجد ولا الصخرة ولا غيرها ولا يقبل وجه الأرض إلا الحجر الأسود وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بمسجد مكة إلا المسجد الحرام ولم يأت للعبادات إلا إلى المشاعر منى ومزدلفة وعرفة. فلهذا كان ائمة العلماء على أنه لا يستحب أن يقصد مسجد بمكة للصلاة غير المسجد الحرام، ولا تقصد بقعة للزيارة غير المشاعر التي قصدها الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا في آثارهم فكيف بالمقابر التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذها مساجد وأخبر أنهم شرار الخلق يوم القيامة. ودين الإسلام أنه لا تقصد بقعة للصلاة إلا أن تكون مسجدًا فقط ولهذا مشاعر الحج غير المسجد الحرام تقصد للنسك لا للصلاة فلا صلاة بعرفة، وإنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم عرفة بعرفة خطب بها ثم صلى ثم بعد الصلاة ذهب عرفات فوقف بها وكذلك يذكر الله ويدعى بعرفات وبمزدلفة على قزح وبالصفا والمروة وبين الجمرات وعند الرمي ولا تقصد هذه البقاع للصلاة. وأما غير المساجد ومشاعر الحج فلا تقصد بقعة لا للصلاة ولا للذكر ولا للدعاء بل يصلي المسلم حيث أدركته الصلاة إلا حيث نهي ويذكر الله ويدعوه حيث تيسر من غير تخصيص بقعة بذلك وإذا اتخذ بقعة لذلك كالمشاهد نهي عن ذلك كما نهي عن الصلاة في المقبرة إلا ما يفعله الرجل عند السلام على الميت من الدعاء له وللمسلمين كما يفعل مثل ذلك في الصلاة على الجنازة فإن زيارة قبر المؤمن من

<<  <   >  >>