نعم لو لقلنا إن أذان السحور الآن الذي تقدم هو أذان الفجر الأول وجوزناه لما ورد من أن للفجر أذانا أول قبل دخول وقته وثانيًا عند دخول وقته لكان ينبغي أيضًا اجتناب التمطيط فيه لما قدمنا.
ولا يخفى أنه حيث جرت العادة الآن بتنبيه الناس وإيقاظهم للسحور أولا بطبل المسحر وطرقه الأبواب في الحارات والأزقة في آخر الليل وثانيًا بضرب مدفعين في الولايات أو بندقيتين في الأقضية الأول لتناول الطعام والثاني للتهيؤ للإمساك عن الطعام والشراب فاللازم ترك هذا الأذان الأول رأسًا اكتفاء بما مر والصعود إلى المنارة إذا دخل الفجر الصادق كما رأيت ذلك في بعلبك فإنه يؤذن المؤذن في فجر رمضان وغيره في وقته على المنارة وهذا أقرب إلى الحالة السلفية.
ثم هناك بدعة أخرى في رمضان وهي أنه إذا فرغ المؤذن من أذان الإمساك المتقدم حاله يكون بقي لدخول الفجر ربع ساعة أي خمس عشرة دقيقة فإذا نزل المؤذن من المنارة يقف في آخر صفوف المصلين على مرتقى أو سدة وينشد نثرًا ونظمًا جملة تسمى "أمة خير الأنام" لأن ذلك مطلعها يحضهم فيها على اغتنام ليالي الصيام ويذكر فوز من قام بأوقات السحر بنغمة خاصة. وكل هذا من البدع لا سيما رفع الصوت بين هؤلاء المنتظرين لصلاة الصبح وفيهم المتهجد والذاكر والمراقب والتالي للقرآن. والمساجد التي لا يوجد فيها من يحفط "أمة خير الأنام" لأنه لا يحفظها إلا الماهر من المؤذنين والمتفنن المتخرج على أساتذة ذلك الفن ربما يقوم مؤذنها في تلك الحصة فيشد صلوات نبوية ويشوش بها كتلك. وقد سعيت لإبطال ذلك من جامع السنانية وقبله من جامع العنابة كما سعيت في الثاني لإبطال نشيد وداع رمضان نسأله تعالى أن يوفق لإبطاله من الجامع الأول ومن سائر الجوامع بمنه وكرمه. ويا للعجب من تأثير بدع رؤساء النوبات والأذان الموظفين في جامع بني أمية وفي سائر مساجد الشام حرصًا على تقليدهم ورغبة في مجاراتهم بحيث أضحى من يحاكيهم أو يقاربهم ذا مزية في رأيه فحسبنا الله. ولا أدري كيف لم يقم أرباب النفوذ من العلماء قديمًا في وجوه هذه البدع فيطمسوها ولعل السيطرة لم تكن للعلماء الكاملين بل لغيرهم ممن يعد ذلك -لطمس بصيرته- من شعائر الدين.