وأما المسائل الفرضيات فالوقت أثمن من أن يصرف فيها ولا فائدة فيها عاجلة ولا آجلة وليس توليدها من سعة العلم كما يتوهمه الأغرار، بل هي شين في وجنة العلم إنما سعة العلم بالوقوف على أصول الدين وأسراره ودقائق ما تشير إليه الآيات القرآنية التي لا تنتهي فوائدها والتي ينبغي صرف العمر في اجتناء ثمراتها وإعمال الفكر في جواهرها ودررها.
وأما الفضوليات أعني سوق مسألة من فن وضمها إلى فن لا مناسبة لها ولا يقتضيها المقام فكذلك مما ينبغي تهذيب الفن والدرس منها كي لا تختلط المواضيع، ولقد كان يشكو إلى كثير ممن يحضر ببعض دروس الحشوية ويراه يخوض في مسائل هندسية واقيسة منطقية وسرد عبارات فلسفية مما لا يعود على العامة بشيء ما بل ولا العلماء في محفل التدريس العام؛ لأنها من الأمور التي تحقق في الدروس الخاصة للطلبة في كتبها. نعم ربما كانت الفائدة أن يقال إن هذا المدرس واسع الحفظ يحكي علومًا غريبة أو "ما يغرق سامعه في بحره" كما تحكيه العامة وهذا هو الرياء المحيط للأعمال نسأله تعالى العافية.
وأما المسائل التي بطلت باختلاف الزمان والمكان فهي كثيرة تمر بقارئ كتب القرون المتقدمة مما كان حلية زمانهم أو مكانهم أو علاج عصرهم فكله مما لا يلزم ذكره، وإنما يمشي مع حالة الزمان والمكان إذ القصد الفائدة وأي فائدة في ذكر ما لا يعلم الآن أو يعلم ولا يعمل به أفليس من إضاعة الوقت سدى الخوض فيه. وليقس ما لم يذكر على ما ذكرناه. وإنا لنود لإخواننا المتصدين للإرشاد أن لا يكونوا مضغة في أفواه أبناء العصر النبهاء بما ينتقدون
= في المسجد ما ذكره المؤرخون من قصص الأنبياء كفتوح الشام للواقدي فإن غالبه موضوع أو مأخوذ ممن لا يوثق به "ثم قال السقاف" ومن ذلك تعلم حرمة قراءة نزهة المجالس ونحوها مما اختلط الباطل فيه بغيره حيث لا مميز لأن الإمام برهان الدين محدث دمشق شنع على قارئها خصوصًا في مجامع الناس وقدم جملة من أحاديثها لجلال السيوطي يستفتيه فيها فأجابه بأن فيها أحاديث واردة بعضها مقبول وبعضها فيه مقال وعدها أربعين حديثًا ثم قال وما عدا ذلك من الأحاديث المسئول عنها فمقطوع ببطلانه. ا. هـ.