لم يبن عليها مسجد كان بناء المساجد عليها أعظم وكذلك قال العلماء: يحرم بناء المساجد على القبور ويجب هدم كل مسجد بني على قبر، وإن كان الميت قد قبر في مسجد وقد طال مكثه سوِّي القبر حتى لا تظهر صورته فإن الشرك إنما يحصل إذا ظهرت صورته، ولهذا كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولًا مقبرة للمشركين وفيها نخل وخرب فأمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطع وبالخرب فسويت فخرج عن أن يكون مقبرة فصار مسجدًا. ولما كان اتخاذ القبور مساجد وبناء المساجد عليها محرمًا لم يكن شيء من ذلك على عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر.
ثم قال عليه الرحمة: والمقصود ههنا أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يبنوا قط على قبر نبي ولا رجل صالح مسجدًا ولا جعلوه مشهدًا ومزارًا ولا على شيء من آثار الأنبياء مثل مكان نزل فيه أو صلى فيه اتفاقًا بل كان أئمتهم كعمر بن الخطاب وغيره ينهى عن قصد الصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقًا لا قصدًا، وإنما نقل عن ابن عمر خاصة أنه كان يتحرى أن يسير حيث سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل حيث نزل ويصلي حيث صلى وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بتلك البقعة لذلك الفعل بل حصل اتفاقًا. وكان ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا صالحًا شديد الاتباع فرأى هذا من الاتباع. وأما أبوه وسائر الصحابة من الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وعلي وسائر العشرة وغيرهم مثل ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب فلم يكونوا يفعلون ما فعل ابن عمر. وقول الجمهور أصح وذلك أن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل لأجل أنه فعل، فإذا قصد الصلاة والعبادة في مكان معين كان قصد الصلاة والعبادة هو في مكان متابعة له، وأما إذا لم يقصد تلك البقعة فإن قصدها يكون مخالفة لا متابعة له. مثال الأول لما قصد الوقوف والذكر والدعاء بعرفة ومزدلفة وبين الجمرتين كان قصد تلك البقاع متابعة له، وكذلك لما طاف وصلى خلف المقام ركعتين كان فعل ذلك متابعة له، وكذلك لما صعد على الصفا والمروة للذكر والدعاء كان قصد ذلك متابعة له.