المسجد وتعاطي ما يصد عن الصلاة فيه في أي وقت محظور إجماعًا وبقي الكلام عليها من حيث عملها وادعاء نفع الميت بها وانتفاعه. والذي أراه أن الذي ينفع الميت هو الصدقة عنه١ من توزيع دراهم وإطعام طعام بنيته والدعاء له، وأما الذكر بالكيفية المعروفة من إنشاء الموشحات والتمطيطات وهز البدن وتخليع الأعضاء وتمديد الأيدي ورفع الأصوات وشدة الضجات فليس إلا من قبيل الاجتماع للأغاني والرقص إلا أنه غناء ورقص كاملين مستورين وليس غناء مخنثين ولا فاسقين، وأما دعوى أنه قربة إلى الله ومثوبة وأنه من الدين فيخشى على معتقده ما يخشى على من يتخذ دين الله هزؤًا ولعبًا ورقصًا وغناء فنعوذ بالله أن نكون من الجاهلين. ولذلك ما كنت أرى في التهاليل شيئًا حسنًا إلا إطعام الفقراء من طعامها وتوزيع دراهم على بؤساء حاضريها وما عدا ذلك من الذكر المعروف فيها فما هو إلا تمضية وقت في إنشاد لطيف وأنغام جميلة وموشحات منوعة يكون الذكر كالقرار لها؛ إذ لا بد للمنشدين من صوت ساذج يربط النغم لهم ولا ربط مثل ربط أصوات الذاكرين لذلك ترى الذاكرين في تقرير النغم للمنشدين وأصوات المنشدين كالشيء الواحد المتماسك بعضه ببعض ولو أنه خلت عن تمطيط لفظ الجلالة التمطيط المستنكر لكل ذي عقل لكانت جمعية إنشاد فيها تسلية لأهل الميت إما وفيها التمطيط بكلمة الجلالة وكلمة التوحيد واعتقاد القربة بها ونفع الميت بها وأنها من الضروريات لنجاته ومثوبته فلا ولا كرامة.
وقد ألف في تحريم التهاليل فقيه الشام من المتأخرين السيد ابن عابدين رسالة إلا أنه بناها على فرع فقهي وهو عدم جواز أخذ الأجرة على التلاوة -أحد قولين عند الحنفية- ولم يسلم له اعتماد هذا القول فألف في الرد عليه معاصره وصديقه العلامة الشيخ صالح الدسوقي خال جدتي لوالدي ونقل عن فروع فقهاء الأئمة الأربعة جواز ذلك أعني أخذ الأجرة على التلاوة، ورد على
١ ليس في السنة -فضلًا عن القرآن- دليل يدل على انتفاع كل ميت بصدقة الحي، وإنما فيها انتفاع الولد بصدقة الوالد، وذلك لأنه من سعي الوالد، وذلك لأنه من سعي الوالد، ولا يصح إلحاق غيره به كما حققته في "أحكام الجنائز" "ص١٧٣-١٧٨". "ناصر الدين".