للمذهب -يعني عدم جواز تعددها في مصر واحد- ثم قال: مع ما لزم من فعلها -يعني الظهر- من المفسدة العظيمة وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدون من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أداء الجمعة؛ فكان الاحتياط في تركها وعلى تقدير فعلها ممن لا يخاف عليه مفسدة منها فالأولى أن تكون في بيته خفية خوفًا من مفسدة فعلها.
وقال ابن نجيم أيضًا قبل ذلك: إني أفتيت مرارًا بعدم صلاة الظهر خوفًا على اعتقاد الجهلة بأنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض. ا. هـ.
وجوز الشافعية أيضًا تعدد الجمعة لحاجة، قالوا: وهل المراد حاجة من تلزمه الجمعة أو من تصح منه أو من يفعلها؟ كل محتمل. وقد اعتمد ابن عبد الحق الأخير ووافقه بعض المتأخرين، قال البجيرمي: فعلى هذا القول يكون التعدد في مصر كله لحاجة فلا تجب الظهر حينئذ كما نقل عن ابن عبد الحق. ا. هـ. ومثله يقال في دمشق ونحوها والذي اعتمده الإمام ابن نجيم والعلامة ابن عبد الحق ووافقه غيره من أن لا وجوب للظهر هو الحق لما فيه من رفع الحرج وهل يطالب مكلف بفريضتين في وقت واحد مع ما في أدائه جماعة من صورة نقض الجمعة وإيقاع العامة في اعتقاد أن ليوم الجمعة بعد زواله فرضين صلاة الجمعة وصلاة الظهر، بل هو الذي لا يرتابون فيه ويزيدون عليه أنه لا يصح إلا جماعة بل تنطع بعض الغلاة المتصولحين مرة فقال لي: كيف السبيل إلى سنة الظهر القبلية قبل فرض يوم الجمعة وهي تفوتني بعجلة أداء الظهر. فتأمل كيف رحم الله العباد ففرض عليهم ركعتين في ذلك اليوم وأمرهم إذا قضوهما أن ينتشروا في الأرض ويبتغوا من فضله تيسيرا عليهم إذ يحتاجون لصرف حصة في سماع الخطبة، وانظر كيف شددوا على أنفسهم وربما المتنطع منهم يطالب نفسه بأداء اثنتين وعشرين ركعة بعد الزوال إذ يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا كالظهر وكلاهما مع الجمعة عشر ثم يتطوع بأربع قبل الظهر وأربع بعدها وكلاهما مع الظهر اثنا عشر أيضًا فالجملة ما ذكرنا.
ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامة لتمحيص الحق باب عظيم من أبواب الدعوة إلى سبيل الله، وهدي نبيه عليه السلام، وقد اتفق في عهد حسين باشا والي مصر المذاكرة لديه في بدعة الظهر جماعة بعد الجمعة فمنع أهل الأزهر منها. نقله الشبراملسي في رسالته التي ألفها في سبب صلاة الظهر يومئذ فرحمه الله على منعه من هذه البدعة وأثابه خيرًا ووفق من يتنبه لمنعها بمنه وكرمه.