ثم يقابل هذا القول مذهب من منع تعددها مطلقًا دعت الحاجة إليه أو لا استدلالًا بأنها لم تتعدد في عهده عليه الصلاة والسلام وعهد خلفائه فشق على الناس وضيق عليهم ما وسعته الحنيفية السمحة.
نعم لا ننكر أنها لم تتعدد، في ذلك العهد ولكن لداعي أن المسجد الأعظم في مدينته صلى الله عليه وسلم كان يسع المجمعين وعلى نسبتهم ولذلك وسع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما المسجد النبوي لما رأياه ضاق بالمجمعين في عهديهما ليسعهم. فسبب عدم التعدد عدم الحاجة إليه لكفاية المسجد.
أما وقد ملأ المسلمون البلاد التي تناسلوا فيها وفات عديدهم الحصر في كل مصر فأنى يسعهم مسجد واحد؟ هذا ما لا يختلف فيه اثنان. فلا يقاس عدد الناس الآن بعددهم في الأعصر الغابرة بل لا نسبة بينهم الآن وبينهم قبل عشرين عامًا، فحينئذ سماحة الدين تقضي بتعدد الجمعة على نسبة الحاجة نسبة تطابق القصد وتوافق الحكمة، أعني بقاء هيكل التجميع متماسكًا متساندًا يمثل القوة ووحدة الكلمة من سائر مناحيه.
= على الشرطية المتنازع فيها، وإنما على السنية فقط، كما هو ظاهر، ألست ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على صلاة العيدين في المصلى، فهل دل ذلك على أن صلاتها في المصلى دون المسجد شرط لصحتها؟! كلا، وإنما يدل ذلك على السنة فقط، وإلا لكانت صلاة جماهير المسلمين اليوم كصلاة العيد في المساجد باطلة، وما أظن عالمًَا يقول به، وجملة القول أن المؤلف لم يأت بدليل صحيح صريح يثبت به شرطية عدد الأربعين، وكأن تحمسه لحمل المسلمين على الحرص على تكثير سواد المصلين في الجمعة حمله على المبالغة في تقييم العدد وكذلك عدم التعدد بأكثر مما يستحق. أقول هذا مع مشاركتي إياه في التحمس المشار إليه، دون أن أوافقه على القول بشرطية العدد المذكور المستلزم فقده بطلان صلاة الجمعة، ولم لا والمؤلف نفسه قد خالف كل ما سطره هنا بقوله فيما يأتي "ص٦٤" "إن الجمعة تؤدى بمن حضر قلوا أو كثروا، ولا تترك الجمعة لأن عددهم لم يبلغ الأربعين، ولا يلزمهم إعادتهم ظهرًا"! وهذا هو قولنا بالضبط وقول من وصمهم بالجمود، والنعمة لله وحده، وهو المستعان، وراجع رسالتنا "الأجوبة النافعة" "ص٣٩، ٤٠". "ناصر الدين".