للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: إذا دل الدليل على أن النهي عن العمل لوصف لازم للمنهي عنه دون أصله، فإن النهي حينئذ لا يقتضي البطلان، بمعنى عدم ترتيب الأثر، بل يترتب على المنهي عنه أثره لصحة الأصل، وإنما النهي هنا يقتضي الحرمة مطلقا، ويقتضي الفساد بمعنى مطلوبية التفاسخ في المعاملات لفساد الوصف، ويقال حينئذ: إن المنهي عنه مشروع بأصله، لا بوصفه.

مثال ذلك الصوم في الأيام المنهي عنها، وهي العيدان وأيام التشريق الثلاثة١, فالنهي عن الصوم في هذه الأيام ليس لذات الصوم؛ لأن الصوم من العبادات، فلا يكون النهي عنه لذاته، وإنما النهي عن الصوم في هذه الأيام؛ لأن الصوم يكون إعراضًا عن ضيافة الله تعالى. فالناس يعتبرون -كما قال العلماء- في هذه الأيام ضيوفا على الله عز وجل، فلا يجوز لهم أن يصوموا.

فتجزئ العبادة مع الإثم على كل حال والتعامل بربا الفضل، كبيع دينار بدينار وربع, فالنهي هنا ليس لذات البيع، بل لوجود الزيادة، والزيادة ليست هي عقد البيع ولا جزءًا كالوصف اللازم، فيثبت الملك ويطلب فسخ البيع.

ثالثًا: إذا دل الدليل على أن النهي عن العمل لوصف مقارن له، ينفك عنه غير لازم له، فهذا النهي لا يقتضي بطلانا ولا فسادًا؛ لأن المنهي عنه شيء آخر في الحقيقة، هو هذا الوصف المقارن، وغاية ما يقتضيه كراهة التحريم.

مثال ذلك النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة، فالنهي هنا؛ لأن المصلي شغل ملك الغير بغير حق، وهو أمر مقارن غير لازم، وكذلك النهي عن البيع وقت


١ روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر، وروى مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" وأيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم الأضحى، سبل السلام للصنعاني ج٢، ص١٦٩.

<<  <   >  >>