والقصاص" أو قال الكمال بن الهمام: "وأما الذكورة فليست بشرط إلا للقضاء في الحدود والدماء، فتقضي المرأة في كل شيء إلا فيهما" فليس المراد التولية والتقليد؛ لأن التولية فعل المولي، والقضاء فعل القاضي، فلا يدل أحدهما على الآخر لاختلافهما، كما أنه لا يلزم من جواز حكم المرأة ونفاذه جواز توليتها؛ لأن توليتها قد تكون غير جائزة ويكون قضاؤها بناء على هذه التولية جائزا، وهذا مبني على أصول الحنفية وموقفهم من النهي ومقتضاه، فهم يرون أن النهي عن الشيء إذا لم يكن لذاته بل لوصف مجاور له، يكون مفيدا للمشروعية مع الكراهة التحريمية، أي: إن المكلف إذا فعل الشيء المنهي عنه فإن الفعل يكون صحيحا تترتب عليه الأحكام الشرعية لكن مع إثم الفاعل، فمثلا ورد النهي عن وطء الزوجة حال الحيض، والنهي هنا ليس لذات الوطء؛ لأن وطء الزوجة حلال، وإنما النهي بسبب ما يجاوره من الأذى، فإذا حدث الوطء من الزوج حال الحيض فإنه يكون آثما؛ لأنه ارتكب شيئًا محرما، لكن هذا لا يمنع أن تترتب على الوطء جميع أحكام الوطء المشروعة، من ثبوت النسب، وحلها للزوج الأول الذي طلقها ثلاث طلقات، وتكميل المهر، وثبوت حرمة المصاهرة، والعدة، ونحو ذلك١.
ويرى هذا الباحث أن النهي عن تولية المرأة القضاء المستفاد من قوله -صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" من هذا القبيل؛ لأن النهي عن توليتها القضاء ليس لذات القضاء؛ لأن القضاء مشروع ومطلوب، وإنما هو لوصف مجاور هو مظنة تقصيرها في الحكم، لنقصها الطبيعي عن الرجل، وانسياقها وراء
١ مثال النهي عن الشيء لذاته تحريم بيع الميتة والدم والخنزير, ومثال النهي عن الشيء لا لذاته بل لوصف مجاور له النهي عن البيع وقت النداء للجمعة، وبيع ما فيه غرر ومعنى الغرر الخطر في جانب أحد المتعاقدين، مثل بيع سيارة مسروقة لا يعرف صاحبها مكانها، ومع ذلك يبيعها لآخر هو أيضا لا يعرف مكانها.