للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله تعالى عنه ولى امرأة كان تدعى أم الشفاء ولاية الحسبة على السوق١, فيجوز تولية المرأة القضاء قياسا على الحسبة، بجامع أن كلا منهما ولاية عامة، فألأصل المقيس عليه هنا هو الحسبة، والفرع المقيس هو القضاء، والعلة الجامعة فيهما هي أن كلا منهما ولاية عامة, والحكم هو جواز تولي المرأة الحسبة فجاز بناء على هذا القياس توليتها القضاء. وقد استدل بهذا ابن حزم٢. لكن هنا ملاحظة نحب أن نبينها هي أن غير ابن حزم استدل بهذا الأثر عن عمر على أنه استدلال بالقياس، فقاس القضاء على الحسبة، أما ابن حزم فمذهبه الفقهي والأصولي أن


١ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة من وسائل إصلاح المجتمعات، وهو واجب لا بد من تأديته في المجتمع الإسلامي، وهو أحد الواجبات الكفائية، أي: التي إذا فعلها البعض سقط عن الباقين، لقول الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فلا بد من وجود طائفة في المجتمع، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والحسبة هي أمر بمعروف ونهي عن منكر، وإذا قام الشخص بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير تعيين له من الدولة كان متطوعا بالحسبة ويسميه الفقهاء المتطوع, وأما إذا ما عينته الدولة لهذه الوظيفة يسمى محتسبا أو والي الحسبة، فالحسبة إذن وظيفة دينية شبه قضائية تقوم على فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع أن أفراد المجتمع الإسلامي كلهم الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتثالا لما أمر به الشرع, إلا أنه كان في بعض العصور الإسلامية يخصص لذلك موظف خاص يسمى المحتسب. يقول ابن خلدون عن الحسبة: وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يعين لذلك من يراه أهلا له، فيتعين فرضه عليه ويتخذ الأعوان على ذلك، مقدمة ابن خلدون، ص٢٢٥.
والأثر المروي عن عمر بن الخطاب يقول إن عمر بن الخطاب ولى امرأة حسبة السوق، أي: تتولى وظيفة محتسبة، فيكون من مهمتها النظر في الخلافات التي تحدث بين الناس في السوق، كدعاوى الغش والتدليس، والتطفيف في الكيل.
لكن هذا الأثر المروي عن عمر لم يثبت كما بين العلماء وذكرناه في مناقشة هذا الدليل. بقي أن نقول إن وظيفة الحسبة يقوم بها في الفصل لحديث علماء الدين، ورجال الشرطة، ورجال حماية الآداب، ومفتشو التموين والصحة والمسئولون عن المكاييل والموازين. ورجال الشئون البلدية.
٢ المحلى لابن حزم، ج٩، ص٤٢٩.

<<  <   >  >>