للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فظاهر حال المسلم أنه غير مرتكب للجرائم والمخالفات الدينية١.


١ شرح العناية على الهداية مع فتح القدير، ج٧، ص٢٥٤، وقد ثبتت أحاديث تبين فضل أهل القرون الثلاثة الأولى مثل ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي يلونني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته".
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي بعثت فيهم، ثم الثاني، ثم الثالث".
وبعض الروايات شك الراوي هل بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فضل ثلاثة قرون أم أربعة؟ ففي الصحيحين عن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، قال عمران: فلا أدري أقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرنه مرتين أو ثلاثا، "ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن".
وبعض الروايات فيها شك من الراوي هل ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرن الثالث أم لا، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم"، والله أعلم: أذكر الثالث أم لا؟ "ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا". وقد فهم بعض العلماء من قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "يشهدون قبل أن يستشهدوا" أن المراد به أداء الشهادة بالحق قبل أن يطلبها المشهود له، وحملوا ذلك على ما إذا كان عالما، جمعا بين هذا وبين قوله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير الشهداء: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها".
لكن ابن تيمية بيّن أن الصحيح أن الذم في هذه الأحاديث لمن يشهد بالباطل جاء في بعض ألفاظ الحديث "ثم يفشوا الكذب، حتى يشهد الرجل ولا يستشهد"، وقال ابن تيمية: "الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية، وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم, وخرج كثير من الأمر عن ولاية العرب، وعربت بعض الكتب الأعجمية من كتب الهند، والفرس، والروم، وظهر ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم: "ثم يفشوا الكذب، حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، ويحلف ولا يستحلف"، وقال ابن تيمية أيضًا: "الأعصار الثلاثة المفضلة لم يكن فيها بالمدينة النبوية بدعة ظاهرة البتة، ولا خرج منها بدعة في أصول الدين البتة، كما خرج من سائر الأمصار، فإن الأمصار الكبار التي سكنها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وخرج منها العلم والإيمان خمسة: الحرمان، والعراقان، "يعني الكوفة والبصرة" والشام، منها خرج القرآن والحديث، والفقه والعبادة، وما يتبع ذلك من أمور الإسلام، وخرج من هذه الأمصار بدع أصولية غير المدينة النبوية.
مجموع فتاوى ابن تيمية، ج٢٠، ص٢٩٥ وما بعدها، وج١٠، ص٣٥٧، ٣٥٨.

<<  <   >  >>