للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أدلة القائلين باشتراط العدالة:

أولا: قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ١.

وجه الدلالة:

وجه الدلالة أن الله عز وجل أمر بالتبين عند قول الفاسق، ولا يصح أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله, ويجب التبين عند حكمه، فليس من المقبول أن نبحث في كل حكم أصدره القاضي الفاسق لنتبين مدى الحق فيه.

ثانيا: الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدا -عند الجمهور- فلا يكون قاضيا من باب أولى.

الرأي الراجح:

نرى ترجيح الرأي القائل باشتراط العدالة في القاضي، فلا يولى القضاء غير العدل ما دام يوجد غيره ممن تتوفر فيه العدالة, وسائر الشروط الأخرى المشترطة في القاضي.

وقياس القضاء على الشهادة في عدم اشتراط العدالة لا نسلمه؛ لأننا لا نسلم أن العدالة لا تشترط في الشاهد، بل هي مشترطة فيه، لقوله تبارك وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، وقوله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، فقد أمر الله عز وجل بالتوقف عن نبأ الفاسق، والشهادة نبأ فيجب التوقف عنه.

وأيضًا؛ فلأن الفاسق لم يمنعه دينه من ارتكاب محظورات الدين، فلا يؤمن أن يمنعه عن الكذب، فلا تحصل الثقة بخبره٢.

وأيضًا فاشتراط العدالة في صحة التصرفات التي تشترط فيها العدالة إنما هو لتحقيق المصلحة للناس، لحصول الضبط بها عن الخيانة، والكذب، والتقصير؛ لأن الفاسق لا يتحقق عنده الوازع الديني فلا يوثق به٣.

هذا وقد بيّن العلماء أنه إذا لم يوجد من تتوافر فيه شروط العدالة لكي نوليه القضاء أقيم أصلح الموجودين وأقلهم فجورا، وهو ما يتبع أيضًا في مجال الشهادة؛ لئلا تضيع مصالح الناس؛ ولأن التكليف بالأحكام الشرعية مشروط بالإمكان٤، قال تبارك وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ٥.


١ سورة الحجرات، الآية رقم: ٦.
٢ المغني، ج٩، ص١٦٥.
٣ المغني، ج٩، ص٤٠.
٤ فتح القدير ج٧، ص٢٥٢ ومواهب الجليل، للحطاب، ج٦، ص٩٠.
٥ سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.

<<  <   >  >>