للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.

فهذا الحديث الشريف يفيد عظم خطر منصب القضاء، يقول الصنعاني عند شرحه لهذا الحديث الشريف: "كأنه يقول من تولى القضاء فقد تعرض لذبح نفسه، فليحذره، وليتوقه، فإنه إن حكم بغير الحق مع علمه به، أو جهله له، فهو في النار".... وقال الصنعاني: "وقيل ذبح ذبحًا معنويا؛ لأنه إن أصاب الحق فقد أتعب نفسه في الدنيا، لإرادته الوقوف على الحق وطلبه، واستقصاء ما تجب عليه رعايته في النظر في الحكم، والموقف مع الخصمين، والتسوية بينهما في العدل والقسط، وإن أخطأ في ذلك لزمه عذاب الآخرة، فلا بد له من التعب والنصب"١.

وجه تشبيه القضاء بذبح بغير سكين:

ويذكر بعض العلماء وجه تشبيه القضاء بالذبح بغير سكين، فيقول: لأن السكين تؤثر في الظاهر والباطن جميعًا، والذبح بغير سكين يؤثر في الباطن بإزهاق الروح، ولا يؤثر في الظاهر، ووبال القضاء لا يؤثر في الظاهر، فإن ظاهره جاه وعظمة، لكن باطنه هلاك٢.

وبين الشيخ عبد الله الشرقاوي من علماء الشافعية، أن هذا الحديث محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له أن يتولى القضاء، أو يحرم عليه ذلك٣.

وروى الإمام مسلم عن أبي ذر قال: يا رسول الله ألا تستعملني؟ "أي: توليني عملا من الولايات العامة"، قال: "إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"، قال الإمام النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية، ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي الخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها، فأجره عظيم، كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم، ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم٤.

وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي٥ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار".


١ سبل السلام، ج٤، ص١١٦.
٢ شرح فتح القدير، وحاشية سعدي جلبي، ج٧، ص٢٦٢.
٣ حاشية الشرقاوي على التحرير، ج٢، ص٤٩١.
٤ فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ج٣، ص١٢٦.
٥ سبل السلام، ج٤، ص١١٥.

<<  <   >  >>