وأقول: هذا هو الحق الذي يجب أن يصار إليه، وما على القاضي إلا أن يطلب الحجة.
من صاحب الحق، فإذا تمكن المدعي من إثبات حقه بوسائل الإثبات المشروعة, كان على القاضي أن يقضي له بحقه، سواء مضت مدة طويلة أم لا، وليس من حق رئيس الدولة أو ولي الأمر أن يمنع القضاة من سماع الدعوى؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يأكل الناس أموال غيرهم بالباطل. وأكل أموال الناس بالباطل لا يجوز حتى ولو حكم به الحاكم، يؤيد ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: $"إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار" متفق عليه١.
لا يصح الأخذ بقرينة وترك الأخذ بالبينة:
ومما يدل على عدم سقوط الحق بتقادم الزمان ما روي أن رسول الله -صلى الله عليه سلم- قال: $"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه" والمدعي قد يكون صاحب حق في الواقع فإذا لم تسمع دعواه، ولو طال الزمان، لكان المدعى عليه آكلا لمال امرئ مسلم بغير طيب من نفسه.
لا يجوز إغفال مصلحة المدعي:
ومن الضعف أن نأخذ بقرينة ترجح جانب المدعى عليه وتترك الأخذ بالبينة, التي قد تكون في جانب المدعي، فإن القائلين بعدم سماع الدعوى بعد مضي سنين حدودها، قد عللوا لرأيهم هذا بأن ترك الدعوى كل هذه المدة من غير عذر مع التمكن من إقامتها، يدل على أن المدعي ليس له الحق في الظاهر، أي: إن سكوته هذه المدة قرينة على عدم ثبوت حقه ظاهرا، ونقول إن القرينة هنا أضعف من البينة، وإذا كان أصحاب الرأي القائل بعدم سماع الدعوى بمضي سنين معينة، قد راعوا مصلحة المدعى عليه، فقد أغفلوا في الوقت نفسه مصلحة المدعي، الذي قد يكون معه من وسائل الإثبات ما يستطيع بها أن يبين بجلاء حقه المدعى به.
أقصى ما يمكن نسبته إلى المدعي هو الإهمال:
إن أقصى ما يمكن نسبته إلى المدعي هو الإهمال والتفريط في طلب حقه طوال السنين الماضية، وهل الإهمال والتفريط جريمة كبيرة تستوجب أن يحرم الإنسان من حق يستطيع أن يقيم عليه البينة؟ هل الإهمال والتفريط يستوجب أن يمنع الإنسان حتى من المطالبة بحقه؟