حيوان آخر، فإذا اشتد به الألم فإنه عادة يحاول أن يوقف هذا الألم، ولو بالهروب من سبب الألم، وعلى هذا فالأولى أن لا يعتبر الهروب رجوعا عن الإقرار؛ لكن لأن القاعدة الشرعية أن الحدود تدرأ بالشبهات، وهروب المقر يصلح أن يكون شبهة تدرأ الحد عنه فإنه يجب أن يوقف التنفيذ في الحال، ولا يتبع، حتى نعلم منه أنه رجع عن إقراره فنتركه، وإلا تم تنفيذ الحد.
هذا، وقد بيّن بعض العلماء من الذاهبين إلى صحة الرجوع عن الإقرار بحقوق الله الخالصة أنه يسن للمقر بالزنا أن يرجع عن هذا الإقررا، بل صرحوا بأنه يسن له عدم الإقرار من أول الأمر، سترا على نفسه، ويجب عليه أن يتوب بينه وبين الله تبارك وتعالى، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"من أتى من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد"، وصرحوا أيضًا بأنه يسن للشهود ترك الشهادة في جريمة الزنا، وكذلك يسن للقاضي، وغيره أن يعرض للمقر بالزنا بالرجوع، بأن يقول للمقر: لعلك قبلت، أو فاخذت، أو باشرت في غير الفرج، وما ماثل هذا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- عرض لماعز -عندما اعترف بالزنا- بالرجوع، حيث قال له:"لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك فاخذت، أبك جنون"؟.
وقال العلماء أيضا إن من المستحب التعريض للمقر بالسرقة بالرجوع، فيقول القاضي للمقر بالسرقة مثلا: لعلك أخذت المسروق من غير حرزه، أو أنك ظننته مالك، لكن قال العلماء: لا يقول القاضي له: ارجع عن إقرارك، لئلا يكون آمرا له بالكذب على احتمال أنه صادق في إقراره.