للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به، أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به، بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة به أولى من تركها؛ لأن مطلوب الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش بالخطابات المفيدة لذلك, وذلك يتحقق بالتوبة من الفاعلين والزجر لهم، فإذا ظهر حال الشره في الزنا مثلا، والشرب، وعدم المبالاة به، وإشاعته، فإخلاء الأرض المطلوب حينئذ بالتوبة، احتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بذلك، فيجب تحقيق السبب الآخر للإخلاء وهو الحدود, بخلاف من زنى مرة أو مرارا متسترا متخوفا متندما عليه، فإنه محل استحباب ستر الشاهد"١.

وإذا كان الستر جائزا في حقوق الله بالنسبة إلى الشهود فهو جائز أيضا بالنسبة إلى مرتكب فاحشة كالزنا والخمر. كما بين الغزالي، فقد قسم العزالي الكذب إلى واجب ومباح ومحرم. وقال: "إن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب وحده فمباح إن أنتج تحصيل ذلك المقصود. وواجب إن وجب تحصيل ذلك. وهو إذا كان فيه عصمة من يجب إنقاذه، وكذا إذا خشي على الوديعة من ظالم وجب الإنكار والحلف، وكذا إذا كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب فهو مباح، ثم قال: وكذا إذا وقعت منه فاحشة كالزنا وشرب الخمر وسأله السلطان فله أن يكذب ويقول: ما فعلت، ثم قال: "وينبغي أن تقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق أشد فله الكذب، وإن كانت بالعكس أو شك فيها حرم الكذب، وإن تعلق بنفسه استحب أن لا يكذب، وإن تعلق بغيره لم تحسن المسامحة بحق


١ فتح القدير، للكمال بن الهمام، ج٥، ص٢١٤.

<<  <   >  >>