وبين العلماء أن الستر مندوب وليس واجبا، فلو رفعه إلى الحاكم كان متعاطيا لأمر من الأمور الجائزة فلا يكون مرتكبا لإثم والدليل على ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يوجه لوما إلى هزال في قصة ماعز، ولا أبان له أنه ارتكب إثما، بل حرضه على أنه كان ينبغي له أن يستره.
قال الصنعاني: بعد أن بين ذلك١: "فإن علم أنه تاب وأقلع حرم عليه ذكر ما وقع فيه ووجب عليه ستره، وهو في حق من لا يعرف بالفساد والتمادي في الطغيان، وأما من عرف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه، بل يرفع أمره إلى من له الولاية إذا لم يخف من ذلك مفسدة؛ وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد ويجرئه على أذية العباد، ويجرئ غيره من أهل الشر والعناد، وهذا بعد انقضاء فعل المعصية، فأما إذا رآه وهو فيها فالواجب المبادرة لإنكارها والمنع منها مع القدرة على ذلك، ولا يحل تأخيره؛ لأنه من باب إنكار المنكر لا يحل تركه مع الإمكان".
وقال الصنعاني بعد ذلك:"وأما إذا رآه يسرق مال زيد فهل يجب عليه إخبار زيد بذلك أو ستر السارق؟ " وأجاب عن هذا السؤال بقوله: "الظاهر أنه يجب عليه إخبار زيد وإلا كان معينا للسارق بالكتم منه على الإثم، والله تعالى يقول:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
ولما بيّن العلماء أن الستر مندوب، بينوا أن الشهادة تكون خلاف الأولى، قال الكمال بن الهمام: "وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه؛ لأنها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة التنزيه في جانب الترك" ثم قال الكمال بن الهمام: "وهذا يجب أن