للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: قسم يستدام فيه التحريم.

فأما القسم الذي لا يستدام فيه التحريم مثل الزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك فلا يضر الشاهد تركه لأداء الشهادة، والتعليل لهذا الحكم أنه بهذا العمل قد ستر على مرتكب الفعل، والستر في مثل ذلك جائز، بل مستحب، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهزال في قضية ماعز الذي اعترف للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالزنا: "هلا سترته بردائك"، وإن كان ابن رشد قد أشار إلى أن هذا الحكم في حق من يندر منه مثل هذه الأفعال، وأما الإنسان الذي يكثر منه وقوع مثل هذه الأفعال وعمل أنه مشتهر ولا ينفك عنه فينبغي أن يشهد عليه, وأن يبلغ الحاكم بما ارتكبه من جريمة.

وأما القسم الذي يستدام فيه التحريم، وذلك كالطلاق، والخلع والرضاع، والعتق، والعفو عن القصاص، وتملك المساجد، والقناطر والطرق، وما أشبه ذلك فإنه يلزمه أن يخبر بشهادته وأن يبلغ الحاكم بما علمه.

وصرح بعض المالكية بأنه إذا لم يؤد الشهادة في هذا النوع من حقوق الله تبارك وتعالى، فإن ذلك يعد تجريحا له، فلا يصلح للشهادة بعد ذلك؛ لأن سكوته عن ذلك بعدم أدائه للشهادة جرحة في حقه إلا إذا ثبت أنه كان له عذر في عدم القيام بأداء الشهادة١.

وبان مما سبق أن الستر على المسلم في حقوق الله أفضل، لحث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك.


١ تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لابن فرحون، ج١، ص٢٠٦، بهامش فتح العلي المالك، والمنتقى شرح موطأ مالك، ج٥، ص١٨٨.

<<  <   >  >>