للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم- للذي شهد عنده: "لو سترته بثوبك لكان خيرا لك" وقوله -صلى الله عليه وسلم: "من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة" وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض لماعز بالرجوع عن الإقرار بالزنا، وسأله عن حاله سترا عليه، وكفى به عليه الصلاة والسلام قدوة لنا. والنصوص القرآنية التي أمرت بأداء الشهادة محمولة على الشهادة في حقول الإنسان، بدليل السياق في قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وقول سبحانه: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} فإن هذه النصوص الكريمة جاءت في سياق الكلام عن الديون بين العباد، وقال العلماء: إن الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال وذلك في حق العباد، وأما الحدود فهي حقوق لله تبارك وتعالى وهو -عز وجل- موصوف بالغنى والكرم, وليس فيه فوت حقه فلهذا جاز للشاهد أن يختار جانب الستر في الحدود١.

لكن العلماء قالوا في السرقة: يجب على الشاهد أن يشهد بالمال فيقول: فلان أخذ المال، لكي يحفظ حق المسروق منه، ولا يقول: فلان سرق، لكي يصون يد السارق عن القطع، وبهذا يكون قد جمع بين الستر والإظهار٢.

ويعجبني هنا تقسيم بعض العلماء -كسليمان الباجي، وابن فرحون من كبار فقهاء المالكية المشهورين- لحقوق الله تبارك وتعالى بالنسبة لأداء الشهادة، فقد قسمها هذا البعض إلى قسمين:

أحدهما: قسم لا يستدام فيه التحريم.


١ أنيس الفقهاء، ص٢٣٦.
٢ اللباب لعبد الغني الغنيمي، في شرح الكتاب لأحمد بن محمد القدوري، ج٤، ص٥٤، ٥٥.

<<  <   >  >>