للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجب أداؤها عند الطلب:

يجب أداء الشهادة إذا طلبها المدعي لأنها حقه، فتتوقف على طلبه كسائر الحقوق، وإذا كان صاحب الحق لا يعلم بها، وخاف الشاهد فوت الحق على صاحبه، فيرى فريق من العلماء أن أداء الشهادة حينئذ مندوب وليس واجبا، وقال فريق آخر يجب عليه أن يشهد بلا طلب من صاحب الحق.

أما الذين يرون أن الأداء للشهادة حينئذ مندوب وليس فرضا، فقد استدلوا لرأيهم بقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فإن الله تبارك وتعالى فرض أداء الشهادة إذا دعي الشهداء إلى الأداء، فإذا لم يدع الشاهد إلى الأداء كان الأداء ندبا لما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها".

وأما أصحاب الرأي القائل بالوجوب -وهو الصحيح- فيستندون إلى ما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قوله: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فقد تعين أن ينصره بأداء الشهادة التي هي عنده، إحياء لحقه الذي يكاد أن يضيع عليه١. وهذا في حقوق الناس.

أما في حقوق الله تبارك وتعالى -وهي كل ما ليس للمكلف إسقاطه٢- فيجب أداء الشهادة فيها بلا طلب من أحد، وقد استثنى العلماء من حقوق الله عز وجل الحدود، فبينوا أن الشاهد في الحدود مخير بين الستر والإظهار؛ لأن إقامة الحدود حسبة، والستر على المسلم حسبة، والستر أفضل، لقول الرسول -صلى الله


١ أحكام القرآن، لابن العربي، القسم الأول، ص٢٥٧.
٢ كالطلاق، والرضاع، والعتق، والوقف على مسجد أو مدرسة، ونحوهما.

<<  <   >  >>