للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرطا علميا لا حقيقة له في الواقع الذي نعيشه، فلا تقبل شهادة العبد عند مالك وأبي حنيفة، والشافعي؛ لأن أداء الشهادة فيه معنى الولاية، والعبد ليس أهلا للولاية.

ويرى أحمد بن حنبل، والظاهرية، وبعض فقهاء الشافعية أنه لا تشترط الحرية في الشاهد، فتجوز شهادة العبد، لعموم آيات الشهادة وهو داخل فيها، قال تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} والعبد من رجالنا، وقال عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وهو عدل، والعبد ما دام عدلا تقبل روايته وفتياه، وأخباره الدينية، فتقبل شهادته.

ولما رواه عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء "أي: جارية"، فقالت: قد أرضعتكما، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: "وكيف وقد زعمت ذلك"؟ , رواه البخاري ومسلم.

وأيضًا فإن الأصل إنما هو اشتراط العدالة، والعبودية ليس لها تأثير في الرد إلا أن يثبت ذلك من كتاب أو سنة، أو إجماع١.

ونرى رجحان هذا الرأي؛ لأن الشهادة وإن كان فيها شبه بالولاية، لكنها ليست كالولاية من كل الوجوه، وعموم الأدلة يفيد قبول الشهادة من العبد والجارية.

الشرط الثالث من شروط أداء الشهادة: التكليف:

فلا تقبل شهادة المجنون بإجماع العلماء، وكذلك لا تقبل شهادة المعتوه وهو المختل العقل دون الجنون٢.

وما دام شرط التكليف لا بد منه في الأداء فلا تقبل شهادة الصبي، لقول الله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم} ، والصبي ليس من رجالنا؛ ولأنه غير مقبول القول في حق نفسه، ففي حق غيره أولى؛ ولأنه غير كامل العقل٣. فلا تقبل شهادته ولو لصبي مثله أو على صبي كما يقول جمهور العلماء.


١ بداية المجتهد، لابن رشد، ج٢، ص٥٠٢، وحاشية الباجوري على شرح ابن قاسم ج٢، ص٣٥٠، والمغني ج١١، ص٤١٦.

<<  <   >  >>