وعن أحمد رواية أخرى تقول بصحة الحكم بشهادة من عرف إسلامه عملا بظاهر الحال، إلا أن يقول الخصم: هو فاسق، وكذلك يرى أبو حنيفة أنه يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم، ولا يسأل عن حال الشهود حتى يطعن الخصم، إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عن حال الشهود؛ لأنه يحتاط فيها ويحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها؛ ولأنها تدرأ بالشبهات، ويرى مالك أن من كان مشهورا بالعدالة لا يسأل القاضي عنه، ومن عرف أنه غير عدل لا تقبل شهادته، وإنما يسأل القاضي عن الشاهد إذا شك في عدالته، وقد بين الحنفية أن الفتوى في مذهبهم على رأي أبي يوسف ومحمد في هذه المسألة.
وقد استدل لمن يكتفي بالعدالة الظاهرة بما يأتي:
أولا: الظاهر من المسلمين العدالة، ولهذا قال عمر -رضي الله عنه:"المسلمون عدول بعضهم على بعض" في كتابه الذي كتبه لأبي موسى الأشعري.
ثانيا: روي أن أعرابيا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فشهد برؤية الهلال فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم:"أتشهد أن لا إله إلا الله" فقال: نعم، فقال:"أتشهد أني رسول الله"؟ قال: نعم، فصام، وأمر الناس بالصيام.
ووجه الدلالة واضح وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بشهادة الأعرابي بمجرد ثبوت أنه مسلم ولم يسأل عن عدالته.