للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحدود والقصاص، ولا يسأل القاضي عنه إلا إذا طعن فيه الخصم، لقول عمر -رضي الله تعالى عنه: "المسلمون عدول" ولأن العدالة هي الأصل؛ لأن الإنسان يولد غير فاسق، فالعدالة أمر يقيني بحسب الأصل، والفسق أمر طارئ مظنون، فلا يجوز ترك الأصل اليقيني بأمر مظنون.

إجابة المخالفين:

وأجاب المخالفون لرأي أبي حنيفة عن الاستدلال بقول عمر "المسلمون عدول" بأن هذا معارض بما روي عنه أنه أتى بشاهدين فقال لهما: "لست أعرفكما ولا يضركما أني لم أعرفكما، جيئا بمن يعرفكما".

وأما القول بأن العدالة هي الأصل في المسلمين، فقد أجيب عنه بأن الغالب الخروج عنها، وقال البعض: إن العدالة ليست هي الأصل من الإنسان، وإنما الأصل الجهل والظلم، بدليل قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} ١ فالفسق والعدالة كل منهما يطرأ على الآخر.

لماذا استثنيت الحدود والقصاص:

وأما استثناء الحدود والقصاص من الاقتصار على ظاهر العدالة في الشاهد عند أبي حنيفة؛ فلأنه كما أن الأصل في الشاهد العدالة فالأصل في المشهود عليه العدالة، والشاهد وصف المشهود عليه بالقتل أو الزنا مثلا، فتقابل الأصلان، فيكون الترجيح بالعدالة الباطنة؛ وأيضًا فلأن الحدود مبناها على الإسقاط، فيسال القاضي عن الشهود احتيالا لدرء الحدود.


١ سورة الأحزاب، الآية رقم: ٧٢.

<<  <   >  >>