للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما عليه الفتوى في الفقه الحنفي:

وأما الرأي الذي عليه الفتوى في الفقه الحنفي فهو ما يراه أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، وهو أن القاضي لا بد أن يسأل عن الشهود في السر والعلانية في كل الحقوق، سواء أكانت في مجال القصاص والحدود أم في غيرهما، وسواء طعن الخصم في الشهود أم لا؛ لأن الحكم إنما يجب بشهادة العدل فوجب البحث عن العدالة.

ويقول أبو بكر الرازي أحد كبار فقهاء الحنفية: "لا خلاف بينهم في الحقيقة، فإن أبا حنيفة أفتى في زمان كانت العدالة فيه ظاهرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عدل أهله، وقال: "خير القرون قرني ١، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب"، واكتفى بتعديل النبي -صلى الله عليه وسلم، وفي زمانهما "يقصد زمان أبي يوسف ومحمد الذي استمر فترة بعد وفاة أستاذهما" فشا الكذب فاحتاجا إلى السؤال، ولو كان في زمنه ما سألا "أي: لو كانت حياتهما في مدة حياة أستاذهما فقط ما سألا"، ولو كان في زمنهما لسأل، فلهذا قلنا: الفتوى على قولهما"٢.

ونحب أن نبين أن سؤال القاضي عن الشهود في كل الحقوق عند أبي يوسف ومحمد واجب، وليس شرطا لصحة الحكم عندهما، أي: فيأثم القاضي


١ القرن: الجيل من الناس، قيل ثمانون سنة، وقيل سبعون، وقال الزجاج: الذي عندي والله أعلم أن القرن أهل كل مدة كان فيها نبي أو طبقة من أهل العلم، سواء قلت السنون أو كثرت، قال: والدليل عليه قوله عليه السلام: "خير القرون قرني"، يعني أصحابه، "ثم الذين يلونهم" يعني التابعين، "ثم الذين يلونهم" أي: الذين يأخذون عن التابعين. المصباح المنير.
٢ الاختيار لتعليل المختار، ج٢، ص١٩٦، واللباب في شرح الكتاب، ج٤، ص٥٧.

<<  <   >  >>