للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسلم، أنها قالت: جاء رجلان يختصمان في مواريث بينهما قد درست١، ليس بينهما بينة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلى رسول الله، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ٢، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا ٣ في عنقه يوم القيامة" فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أما إذن فقوما فاذهبا فلتقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه".

وقد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عتاب بن أسيد إلى مكة٤، وبعث معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب إلى اليمن، وفوض إليهما ولاية القضاء بين الناس. كل واحد منهما في جهة، روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل، قال: لما بعثه الرسول إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب


١ درست أي: خفيت آثارها.
٢ قال الباجي -أحد كبار علماء المالكية- عند توضيحه لجملة "ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض": يريد -والله أعلم- أن يكون أحدهما أعلم بمواقع الحجج، وأهدى إلى إيراد ما يحتاج من ذلك، وأشد تبيينا لما يحتج به. المنتقى للباجي، شرح موطأ مالك، ج٥، ص١٨٥.
٣ يقول ابن منظور: "الإسطام: القطعة من الشيء، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه، فإنما أقطع له سطاما من النار" أي: قطعة منها، ويروي إسطاما، وهما الحديدة التي تحرك بها النار وتسعر، أي: أقطع له ما يسعر به النار على نفسه ويشعلها، أو أقطع له نارا مسعرة.
انظر لسان العرب، المجلد الثالث، ص٣٨٧.
٤ أسيد، بفتح الهمزة وكسر السين، ابن أبي العيص بن عبد شمس القرشي، الأموي، أسلم يوم فتح مكة، وولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها بعد الفتح عندما سار إلى حنين، وكان عمره يومئذ نيفا وعشرين سنة، وبقي عليها إلى أن مات بها يوم أن بلغ نعي أبي بكر إلى مكة. تاريخ القضاء في الإسلام لمحمود بن محمد بن عرنوس، ص١١.

<<  <   >  >>