للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله -صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد، يعني في الأموال وفي سنن أبي داود١ أنه قال سلمة في حديثه: قال عمرو في "الحقوق" يريد أن عمرو بن دينار الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس، خص الحكم بالشاهد واليمين بالحقوق، قال الخطابي: "وهذا خاص بالأموال دون غيرها، فإن الراوي وقفه عليها، والخاص لا يتعدى به محله، ولا يقاس عليه غيره، واقتضاء العموم منه غير جائز؛ لأنه حكاية فعل والفعل لا عموم له. ا. هـ.

قالوا: ولأنه ثبت من القرآن الكريم أنه لا يقبل في الرجعة أقل من شاهدين، قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} على خلاف العلماء في الشهادة على الرجعة، هل هي واجبة أو مستحبة، لكن لو حدثت الشهادة فلا بد فيها من شاهدين، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث تفيد أن الزواج لا يصح إلا بحضور شاهدين. وهذه الأحاديث وإن كان قد قيل إن بعضها ضعيف، أو إن رفعه ضعيف، فإن العلماء قالوا إنها مع ذلك تصلح دليلا على وجوب شاهدين على عقد الزواج؛ لأن بعضها -في رأيهم- يقوي بعضا قالوا: فيقاس على الرجعة والزواج جميع الأمور التي اشترطنا فيها الشاهدين، بجامع أنها ليست مالا ولا يقصد منها المال.

وقالوا إن الزواج والطلاق والعتق كل منها حق يتعلق بجميع البدن كالقصاص في القتل، فلا يثبت باليمين مع الشاهد.

وأما ابن حزم فيرى أن الأخبار التي جاءت في هذه المسألة -أي: مسألة القضاء بشاهد ويمين- جاءت عامة، ولم يأت شيء من الأخبار يخصص العموم، وأما الحدود فليس لها مطالب إلا الله عز وجل، ولذلك فليس من المتصور أن يقضي فيها بالشاهد مع يمين المستحق٢.

وفي ختام هذه المسألة نحب أن نبين أن مالكا والشافعي -رضي الله عنهما- اختلفا في جواز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدعي، فيرى مالك جواز ذلك، فكما جاز عنده الحكم بالشاهد ويمين المدعي، يجوز بدل الشاهد امرأتان مع يمين المدعي، وأما الشافعي فلا يرى جواز ذلك٣.


١ نقلا عن سبل السلام للصنعاني، ج٤، ص١٣٢.
٢ المحلى لابن حزم، ص٩، ومن طرق الإثبات للدكتور أحمد عبد المنعم البهي، ص٤٠، ٤١.
٣ أدب القاضي، لابن القاص، ج١، ص٣٠٢.

<<  <   >  >>