للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نص شرعي أو قاعدة عامة أتت بها شريعة الإسلام، ومن الملاحظ أن القوانين الوضعية قد أخذت بهذا الحكم وهو جواز سماع الشاهد وتحليف المدعي اليمين إذا عجز عن تقديم البينة الكاملة.

هذا، ومع أن جمهور العلماء -كما بينا- يرون أن الشاهد واليمين وسيلة من وسائل الإثبات، فإنهم مختلفون في مجال القضاء بالشاهد واليمين، ففقهاء المدينة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وأحمد يرون أن الشاهد واليمين لا يكون وسيلة من وسائل الإثبات إلا في الأموال، وما يئول إلى الأموال١. ويرى ابن حزم أنهما وسيلة من وسائل الإثبات في كل الحقوق ما عدا الحدود٢.

ومن أدلة أصحاب الرأي الأول ما أخرجه الشافعي عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد، قال عمرو: في الأموال"، وما أخرجه البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن رسول


١ العلماء يختلفون في ما يئول إلى المال باختلاف نظرتهم إليه، فمع أنهم اتفقوا على أيلولة بعض المسائل إلى المال، كالهبة، والإجارة، والشفعة، والحوالة، فإنهم اختلفوا في جراح العمد، فيرى مالك أنها مما يئول إلى المال؛ لأنها تئول إليه إذا تصالح الطرفان، يجوز أن يحكم فيها بالشاهد واليمين، وأما الشافعي، وأحمد فيخالفانه في هذا ويريان ترجيح جانب القصاص على جانب المال، ولهذا لم يجوزا القضاء فيها بالشاهد واليمين، ويرى بعض الباحثين أن العلماء أن العلماء ليس عندهم ضابط معين تندرج تحته المسائل التي تئول إلى المال عندهم، ولكل منهم نظر خاص في اندراج الجزئيات تحت القاعدة العامة، ولهذا يتفقون في بعض الحالات, ويختلفون في البعض الآخر عند كلامهم عما يئول إلى المال. انظر: من طرق الإثبات في الشريعة وفي القانون للدكتور أحمد عبد المنعم البهي، ص٣٩.
٢ المحلى، لابن حزم، ج٩، ص٣٩٦.

<<  <   >  >>