وبهذا يتبين أنه لا تعارض بين حديث القضاء بشاهد ويمين وبين الأحاديث التي يوهم ظاهرها أنها تعارضه.
الرأي الراجح:
الرأي القائل بصحة القضاء بالشاهد ويمين المدعي في الأموال هو الأولى بالقبول، لثبوت الحديث الذي يفيد هذا، ولضعف استدلال الحنفية ومن معهم؛ ولأن القول بصحة القضاء بالشاهد مع يمين المدعي يتفق مع روح التشريع الإسلامي، إذ إنه في بعض الأحايين يكون للمدعي شاهدان، فيموت أحدهما، أو يكون غائبا لا يتوصل إلى شهادته بسهولة، أو يكون قد طرأ له ما يمنعه من أداء الشهادة كالجنون، فإذا لم يقض القاضي له بالحق المدعى بالشاهد الواحد الباقي مع يمينه فإن هذا يؤدي إلى ضياع الكثير من حقوق الناس، مع وجود الظن بثبوت هذه الحقوق، والشريعة تعتبر الظنون في كثير من الأحايين وشهادة الشاهد الواحد تفيد ظنا ما بثبوت الحق؛ لأن الشاهد متصف بالعدالة، والعدالة مانعة له من الكذب، فإذا تأكدت شهادته بيمين المدعي حصل الظن الغالب بثبوت الحق١.
فالأخذ برأي الحنفية -إذن- يؤدي إلى التضييق على الناس في الحصول على الحقوق، وهذا يعد في ذاته ضررا، والشريعة الإسلامية حرمت الإضرار بالنفس أو بالغير، فضلا عما في الأخذ برأي الجمهور من تبسيط إجراءات التقاضي, وإيصال الحقوق إلى أصحابها بأبسط الطرق وأسهلها ما دام ذلك لا يتعارض مع
١ منهاج الطالب في المقارنة بين المذاهب، للدكتور عبد السميع إمام، ص٢٢٨-٢٣٢.