للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الظن، قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} ١، وقال تبارك وتعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ٢، وقال عز وجل: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ٣، وروى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" ٤.

ويمكن صياغة الدليل على شكل قياس من الشكل الأول فنقول: القرينة


١ سورة النجم، الآية رقم: ٢٣.
٢ سورة النجم، الآية رقم: ٢٨.
٣ سورة النساء، الآية رقم: ١٥٧.
٤ صحيح مسلم بشرح النووي، ج١٦، ص١١٨، وسنن أبي داود، ج٥، ص٢١٧، ومعنى الظن المنهي عنه هو ما يخطر بالنفس من التجويز المحتمل للصحة والبطلان فيحكم به ويعتمد عليه.
وقد قسم الزمخشري الظن إلى أربعة أقسام: واجب، وحرام، ومندوب، ومباح، فالواجب حسن الظن بالله تبارك وتعالى، والحرام سوء الظن به عز وجل، ومنه أيضا سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة، وهو المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم: $"إياكم والظن"، والمندوب حسن الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة، والمباح سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث فلا يحرم سوء الظن به؛ لأنه قد دل على نفسه، ومن ستر على نفسه لم يظن به إلا خيرا, ومن دخل في مداخل السوء اتهم, ومن هتك نفسه ظننا به السوء، والضابط الذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها هو أن كل ما لا تعرف له أمارة صحيحة، وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وممن عرفت منه الأمانة في الظاهر، فإذا ظننا به الفساد والخيانة فهذا من الظن المحرم، بخلاف من اشتهر بين الناس يتعاطى الريب، وسمي الظن حديثا؛ لأنه حديث النفس.
قال الصنعاني: "وإنما كان الظن أكذب الحديث؛ لأن الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره، وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء فيخفى على السامع كونه كاذبا بحسب الغالب، فكان أكذب الحديث"، سبل السلام للصنعاني، ج٤، ص١٨٩، ١٩٠.

<<  <   >  >>