للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخير المشهور١، والأول يسميه العلماء علم اليقين، والثاني يسمى علم الطمأنينة، ويريد العلماء بالقطع في القرينة القطع بالمعنى الثاني؛ لأن القطع على المعنى الأول


١ جمهور العلماء يقسمون الحديث إلى قسمين: متواتر، وآحاد، فالمتواتر هو ما روي من طريق يستحيل بحسب العادة أن يتفق رواته على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا يشترط عدد معين لرواته عند جمهور العلماء, وإنما يكفي أن يبلغ رواته عددا يقع معه اليقين، وبعض العلماء يشترط عددا معينا. وقد اختلف هؤلاء في العدد فيرى البعض أن لا يقل رواته عن خمسة، والبعض يرى أن لا يقلوا عن سبعة، والبعض عشرة، والبعض يرى أنهم لا يقلون عن اثني عشر ومنهم من قال: لا يقلون عن أربعين، ومنهم من عين الرواة بسبعين، ومنهم من قال بثلاثمائة وبضعة عشر، وكل هذه الأعداد لا تستند إلى دليل قوي، ومثال الحديث المتواتر "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". وأما الحديث الآحاد فهو ما روي بطريق لا تحيل العادة تواقف رواته على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وحديث الآحاد هو غالب الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وبين العلماء أن الحديث المتواتر يفيد الثبوت يقينا، وأما حديث الآحاد فيفيد الثبوت بغالب الظن، قال التفتازاني: "والعقل شاهد بأن خبر الواحد العدل لا يوجب اليقين، وأن احتمال الكذب فيه قائم وإن كان مرجوحا". وقال الشاشي: "حكم خبر الواحد أنه يوجب العمل به، ولا يوجب العلم، لا علم اليقين، ولا علم الطمأنينة" ويقول أبو بكر السرخسي: "إن أصل البدع والأهواء إنما ظهر من قبل ترك عرض أخبار الآحاد على الكتاب والسنة، فإما قوما جعلوها أصلا مع الشبهة في اتصالها برسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومع أنها لا توجب علم اليقين، ثم تأولوا عليها الكتاب والسنة المشهورة، فجعلوا التبع متبوعا، وجعلوا الأساس ما هو غير متيقن به، فوقعوا في الأهواء، والبدع". وقال عبد القاهر البغدادي: "أخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل دون العلم".
هذا هو تقسيم الحديث عند جمهور العلماء، وأما الحنفية فزادوا قسما ثالثا جعلوه وسطا بين المتواتر والآحاد، وسموه مشهورا وهو أقوى من حديث الآحاد في الثبوت, وأقل من المتواتر. وعرفه بعضهم بأنه الحديث الذي يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بطريق الآحاد، واشتهر في عصر التابعين أو تابعي التابعين.
وقال علماء الحنفية: الثابت بالحديث المشهور على طمأنينة لا علم يقين؛ لأن فيه شبهة توهم الكذب عادة باعتبار رواية الأصل؛ لأنه آحاد، وقول الحنفية إن الحديث المشهور يفيد علم طمأنينة معناه أنه يفيد ظنا قويا أقوى مما يفيده الحديث الآحادي، ولا مانع من أن العلم قد يطلق ويراد به الظن، كما في قول الله تبارك وتعالى في شأن النساء المؤمنات اللاتي يهاجرن إلينا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سورة الممتحنة الآية رقم: ١٠] ، أي: ظننتموهن مؤمنات.
الشهاوي في مصطلح الحديث، للدكتور إبراهيم الشهاوي، ص٩، وأصول السرخسي، ج١، ص٢٩٢، ٢٩٣، دار المعرفة للطباعة ببيروت، وشرح التلويح على التوضيح للتفتازاني، دار الكتب العلمية ببيروت، ج٢، ص٤، وأصول الشاشي، ص٢٧٤، دار الكتاب العربي ببيروت، وأصول الدين للبغدادي، ص١٢، دار الكتب العلمية ببيروت.

<<  <   >  >>