لا يتحقق في باب القرائن، فالقطع في القرينة عند العلماء شامل للظن الغالب؛ لأن وسائل الإثبات مهما كانت قوتها فإن دلالتها لا تخلو من ظن.
مثال للقرينة القاطعة في دلالتها:
ومثال القرينة القاطعة في دلالتها ظهور حمل امرأة ليست مزوجة ولا معتدة، وظهور السكر من شخص، أو وجد يتقايأ الخمر، ومثل ابن الغرس من الحنفية في كتابه الفواكه البدرية بالمثال الذي تكرر ذكره، والذي نقله العلماء عنه، وهو خروج رجل من دار مضطربا خائفا يحمل في يده سكينا ملوثة بالدماء، وملابسه كذلك ملوثة بالدماء، فدخل الناس فور خروجه في الدار رجلا مذبوحا مضرجا في دمائه.
وذكر الدكتور عبد العال عطوة، مثالا لذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعم حيي بن أخطب عندما ادعى نفاد المال: $"العهد قريب والمال أكثر من ذلك"، فكثرة المال، وقصر الفترة الزمنية التي من المحتمل أن لا يكون المال قد أنفق فيها كله، هما قرينتان في غاية القوة على أن المال الذي ادعى نفاده عم حيي بن أخطب لا زال موجودا، ولذلك أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير بن العوام أن يمسه بعذاب، وكان نتيجة ذلك أن أرشد إلى المال وأخرجه من مخبئه.
الشرط الثاني: أن لا يعارض القرينة قرينة أخرى، أو دليل آخر، فإن عارضها شيء من هذا فلا تصلح أن تكون وسيلة للإثبات.
ومثال هذا قرينة الدم على قميص يوسف، الذي جاء به أخوته يدعون أن الذئب قد أكله، وأن هذا أثر دمه على قميصه، فإن هذا يعد بحسب الظاهر قرينة قوية على قتل الذئب ليوسف، ولكن لما وجد أبوه يعقوب عليه الصلاة والسلام قميصه سليمان لم يتخرق استدل بهذا على كذب أخوة يوسف، فإنه لو كان حقا ما يقولون لمزق الذئب قميصه، فهذا دليل على أن يوسف لم يقتله الذئب.
ومثاله أيضا ما لو وجد سند الدين عند المدين، فهذا يعد قرينة على أن المدين سدد الدين الذي كان عليه، لكن لو أقام الدائن البينة على أن المدين قد أخذ السند منه غصبا، أو سرقه، فإن هذه القرينة أصبحت دلالتها كاذبة؛ لأنه وجد دليل يعارضها ولهذا لا يحكم القاضي ببراءة ذمة المدين١.
١ محاضرات في علم القاضي: القرائن، وغيرها، مصدر سابق ص٢٩-٣١، ومن طرق الإثبات في الشريعة وفي القانون، لأستاذنا الدكتور أحمد عبد المنعم البهي -رحمه الله تعالى، ص٧٣، ٧٤.