للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفى هذه الجريمة عن نفسها، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم، وكذلك لو كانت هي الكاذبة فلم تحرم عليه أيضا إلا بحكمه؛ لأن زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء، والحكم بالتفريق ينفذ ظاهرا وباطنا؛ لأنه يحرم على الزوج أن يجامع زوجته التي لاعن منها، ويحرم عليها كذلك أن تمكنه من نفسها، ويحل لها أن تتزوج غيره وتمكن هذا الغير من نفسها، وهذا هو معنى النفاذ في الباطن، مع أن الباطن في هذه الحال مخالف للظاهر، فهذا دليل على أن حكم القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا، وإن كانا في الواقع مختلفين.

مناقشة هذا الدليل:

أجيب عن هذا بأمرين:

الأول: أن الفرقة في اللعان تقع عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب، وأما حكم القاضي في غير هذه الحال فلا يقع عقوبة، فلا يصح القياس على اللعان، لوجود الفارق بينهما١.

الأمر الثاني: أن القاضي يفرق بين المتلاعنين؛ لأنه يعلم أن أحدهما كاذب قطعا، فهو ينشئ التفريق بينهما قاصدا متعمدا، وأما ما نحن فيه فليس كذلك؛ لأن القاضي لا يعلم أن الشهود شهود زور على الطلاق، أو الزواج، ولا تتوجه إرادته إلى الإنشاء، وإنما يحكم بناء على غالب ظنه أن البينة التي شهدت أمامه بينة عادلة تظهر الحق٢.


١ فتح الباري ج١٣، ص١٧٥، وبداية المجتهد، ج٢، ص٥٦٦، ٥٦٧.
٢ نظرية الدعوى بين الشريعة الإسلامية وقانون المرافعات المدنية والتجارية القسم الثاني، ص٢٣٥، للدكتور محمد نعيم ياسين.

<<  <   >  >>