الدليل الثالث: أن القاضي قد قضى بحجة شرعية في أمر من الأمور التي له ولاية الإنشاء فيها، فجعل الإنشاء تحرزا عن الحرام والحديث الذي استدل به الجمهور وهو حديث:"إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي" صريح في المال، وليس النزاع في الأموال، بل الأموال متفق على أن حكم القاضي فيها بناء على شهادة زور لا ينفذ باطنا؛ لأن القاضي لا يملك دفع مال شخص إلى شخص آخر، لكنه يملك إنشاء العقود، والفسوخ، فإنه يملك بيع جارية شخص لشخص آخر، حال الخوف من موتها للحفظ وحال غيبة سيدها، ويملك إنشاء الزواج على الصغيرة التي لا يوجد لها ولي، ويملك الفرقة بين الزوجين إذا ثبت أن الزوج به عيب العنة١، فيجعل قضاء القاضي إنشاء احترازا عن الحرام.
مناقشة هذا الدليل:
أجيب عن هذا بأن شرط صحة الحكم وجود الحجة وإصابة المحل، وإذا كانت البينة في نفس الأمر شهود زور لم تحصل الحجة؛ لأن حجة الحكم هي البينة العادلة، فإن الشهادة إظهار الحق وحقيقة الحكم إنفاذ ذلك، وإذا كان الشهود كذبة لم تكن شهادتهم حقا.
الدليل الرابع: لو لم نقل بنفاذ الحكم باطنا فلو حكم القاضي بالطلاق لبقيت المرأة حلالا للزوج الأول باطنا وللثاني ظاهرا، فلو ابتلي الثاني بمثل ما ابتلي الأول حلت للثالث ظاهرا وهكذا، فتحل لجمع متعدد في زمن واحد، ولا يخفى فحش هذا بخلاف ما إذا قلنا بنفاذ الحكم باطنا فإنها لا تحل إلا لواحد.