للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مناقشة هذا الدليل:

أجيب عن هذا بأن الجمهور إنما قالوا في هذا: تحرم على الثاني إذا علم أن الحكم ترتب على شهادة الزور، فإذا اعتمد الحكم وتعمد الدخول بالمرأة فقد ارتكب محرما، كما لو كان الحكم في الأموال، فأكل هذا المال الذي حكم له به، ولو ابتلي الثاني بمثل هذا الابتلاء كان حكم الثالث كذلك، والفحش إنما لزم من الإقدام على تعاطي المحرم، فكان كما لو زنوا في الظاهر واحدا بعد واحد١.

الرأي الراجح:

من الواضح أن ما ذهب إليه الجمهور هو الرأي الصحيح في هذه المسألة لعدة أمور: أولا: لقوة الاستدلال للجمهور بالحديث الصحيح.

ثانيا: لأن ما استدل به لأبي حنيفة -رضي الله عنه- لم يصمد للطعون الموجهة إليه، ويكفي في البرهنة على أن ما يقول به جمهور العلماء هو الرأي الصحيح أن الفتوى في المذهب الحنفي في هذه القضية على خلاف ما يراه أبو حنيفة، وأن أصحابه الثلاثة أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وزفر، لا يرون ما يراه إمام المذهب، وإنما يتفق رأيهم مع جمهور العلماء.

ثالثا: لا فرق في الحلال والحرام بين مال واستمتاع بامرأة أجنبية، فإذا كان حكم القاضي بشهادة الزور في الأموال لا يحلها، فكذلك يجب أن يكون الحكم في الأبضاع، قال الشافعي -رضي الله عنه: "إنه لا فرق بين دعوى حل الزوجة لمن أقام بتزويجها شاهدي زور، وهو يعلم كذبهما، وبين من ادعى على حر أنه ملكه وأقام بذلك شاهدي زور، وهو يعلم حريته، فإذا حكم له الحاكم بأنه


١ فتح الباري ج١٣، ص١٧٦.

<<  <   >  >>