ثالثًا: ثبت أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر وعمر، كانوا يأخذون لأنفسهم أرزاقهم من بيت مال المسلمين "الخزانة العامة للدولة" وكذلك من بعدهم من الخلفاء، فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قال: لما استخلف أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه".
وثبت أن عمر -رضي الله عنه- أخذ أيضًا وروي عنه قوله: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف. وأخرج الكرابيسي بسند صحيح عن الأحنف قال: كنا بباب عمر -فذكر قصة: وفيها- فقال عمر: "أنا أخبركم بما أستحل: ما أحج عليه وأعتمر، وحلتي الشتاء والقيظ، وقوتي وقوت عيالي كرجل من قريش ليس بأعلاهم ولا بأسفلهم" وكان شريح بن الحارث بن قيس النخعي الذي ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم قضى لمن بعث بالكوفة زمنا طويلا، كان يأخذ على القضاء أجرا١.
رابعًا: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيما عامل استعملنا، وفرضنا له رزقا، فما أصاب بعد رزقه فهو غلول".
ثم قال أصحاب هذا الرأي: "وذلك واسع له، ومن تعفف عن ذلك فهو أفضل،
١ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ج١٣، ص١٦١.