للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بثماني عشرة سنة، كما قاله عبد الله بن عباس، والقول بالثماني عشرة سنة هو أقل ما قيل في تفسير بلوغ الصبي أشده؛ لأن هناك رأيا ثانيا يقول: اثنتان وعشرون سنة، ورأيا ثالثا يقول: خمس وعشرون سنة، وهو قول عمر -رضي الله عنه، وإذا كان القول بالثماني عشرة سنة هو أقل ما قيل في تفسير بلوغ الصبي أشده فينبغي الحكم عليه للاحتياط.

ولما كان الإناث نشوؤهن وإدراكهن أسرع من الذكور غالبا فإن ذلك دافع إلى الإنقاص في حقهن سنة، وكانت سنة كاملة؛ لأن السنة تشتمل على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة١.

وبهذا ينتهي الكلام عن الأشياء الثلاثة التي يشترك فيها الذكر والأنثى، وهي: خروج المني، ونبات الشعر الخشن في العانة، والسن، وأما الشيآن اللذان تختص بهما الأنثى فيهما -كما بينا- الحيض والحمل.

والحيض علامة من علامات البلوغ لا نعلم فيه خلافا كما عبر عن ذلك ابن قدامة، وقد روى الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" ٢ قال الترمذي: حديث حسن.

والحمل أيضًا علامة من علامات البلوغ؛ لأن الله عز وجل أجرى العادة على أن لا يخلق الولد إلا من لقاء بين حيوان منوي من الرجل وبويضة من المرأة، فمتى حملت فإنه يحكم ببلوغها في الوقت الذي بدأ فيه حملها٣.

هذا وإذا قارب الغلام أو الجارية الحلم وأشكل الأمر فيهما، وادعى أي منهما البلوغ فقال هو أو قالت هي: بلغت، فالقول قولهما، وتكون أحكام كل منهما أحكام البالغين؛ لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتهما ظاهرا، فإذا أخبرا بذلك قبل قولهما فيه كما يقبل قول المرأة في الحيض، في العدة وبين بعض العلماء أنه يشترط في قبول قولهما في هذه الناحية إذا كان الغلام بلغ اثنتي عشرة سنة وبلغت الأنثى تسع سنين، فإذا كان أحدهما لم يبلغ ذلك فلا يقبل قوله؛ لأن الظاهر يكذبه٤.


١ تكملة فتح القدير، لقاضي زاده، ج٩، ص٢٧٠.
٢ الخمار: غطاء رأس المرأة.
٣ المغني، لابن قدامة، ج٤، ص٥١٥، وأسهل المدارك، شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، لأبي بكر بن حسن الكشناوي، ج٣، ص٥، الطبعة الثانية.
٤ حاشية سعدي جلبي على تكملة فتح القدير، ج٩، ص٢٧٠.

<<  <   >  >>