في منتصف الليل من أول نوفمبر سنة ١٩٥٤م - دوت أرض الجزائر بالطلقات النارية، وتوال هجوم الثوار على معسكر الاستعمار الفرنسي ومنشآته العمرانية طول الليل في مختلف الجهات من أرض الوطن، وكانت جبال أوراس ميدانا لأعنف الهجومات، وأول طلقه كانت من مدينة أريس، ووقعت كذلك حوادث في المدن الأخرى من القطر ... أصبحت إذاعة العالم وصحفه تنقل أخبار الثورة وتذيعها عليه، فدهش الناس من هذه الأخبار، وكانوا إما بين مصدق لها ومكذب، وكانوا يسألون بعضهم بعضا ويعقدون اجتماعات، ويناقشون الأخبار فيها، ويعرضون تعاليق الصحف ويسمعون الى كلام المسافرين لعلهم يعثرون على خبر صحيح يشفى غليلهم ويطفئ أوراهم، وتراهم يتهامسون في الطرق والمقاهي والمحلات العامة، والسرور باد على محياهم، والقلوب تكاد تطفر من بين الضلوع من شدة الأنباء السارة، والأعين تدور يمينا وشمالا، ودموع الفرح تترقرق في الآفاق.
ولما انتشرت الثورة في الوطن، وأصبحت حقيقة تنفس الناس الصعداء بعد ما كان في النفوس حسرة ومرارة، وفي الحلق غصة وفي الصدور ثورة مشبوبة من الحالة التي ارتكس فيها الشعب الجزائري.
وفي صبيحة هذا اليوم صدر بلاغ رسمي من السلطات الفرنسية هذا نصه: (حدث أثناء الليل في عدة مناطق مختلفة من أرض الجزائر على الأخص شرق قسنطينة بمنطقة أوراس عدة عمليات حربية مختلفة بلغ عددها ثلاثين عملية، قامت بها فرق صغيرة من الإرهابيين أسفرت عن قتل ضابط وجنديين في مدينة خنشلا، وباتنة، وجنديين من حراس الليل بمنطقة القبائل، وكذلك أطلق الرصاص على مراكز الدرك، وألقيت بعض قنابل الحارقة المصنوعة صنعا محليا، ولكنها لم تسبب في أضرار سوى