نشأ عن هذه الحالة السيئة التي وصل إليها المسلمون من التشتت والتفرق، ونبدهم للحبل الذى كانوا يعتصمون به، وضعف الخلافة غزو خارجي صليبي عندما رأى الصليبيون أن شوكة المسلمين قد خضدت وأن قوتهم قد تلاشت وضعفت هجموا عليهم بقيادة الكنيسة بدعوى انقاذ القدس وأرض الميعاد من أيدي الكفار، وكان هذا الغزو في سنة ٣٤٥هـ وامتد من ذلك الوقت الى الآن على العالم الإسلامي كله شرقا وغربا، ومشى بصورة واحدة في جميع النواحي قسوة لا رحمة فيها، وفتكا بالأبرياء والضعفاء وتدميرا للحضارة والمنشآت العمرانية، وتشجيعا للفساد والخرافات ومحاربة العلم والعلماء.
بدأت الغزوات الصليبية التي كانت تهدف الى الاستيلاء على الأماكن المقدسة عند المسيحيين تتحدى الاسلام والمسلمين كلهم، وتهدد الجزيرة العربية التي هي مهد الاسلام، والدول المجاورة للشام، واستولى الصليبيون فعلا على القدس وعلى مدن الشام، وطمعوا في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا أكبر خطر على الإسلام والمسلمين بعد فتنة الردة.
وإننا نعلم علم اليقين أن جرائم الاضطهاد التي مارسها الصليبيون ضد المسلمين لم تكن أبدا بدافع ديني، بل الدافع الحقيقي هو خوفهم من رجوع الخلافة الشرعية، وانتشار الاسلام الذى ينتزع ما يحيطون به أنفسهم من هالات خادعة ويعريهم من قداسات مزيفة، أن ما حدث للمسلمين في الماضي على أيدي الصليبيين من الظلم الشنيع والجرائم التي ارتكبوها في حقهم لهو أكبر برهان على أن الدين المنسوب لسيدنا المسيح عليه السلام كما يزعمون زورا وبهتانا، فقد فقد مبررات بقائه كدين، وأصبح أتباعه عبئا ثقيلا على الانسانية، بعد أن تحولوا الى قتلة وسفاكين ومصاصي دماء الشعوب.