لم يتأثر المسلمون بالحروب الصليبية التي دامت زهاء قرنين من الزمن واتحدت الكنيسة مع أوربا على حريهم، ورغم هذا لا زالوا مختلفين ومتنابذين ولم يسلم بعضهم لبعض، ولم ينظروا في الخطر الذى يهدد كيانهم جميعا، ولم يرجعوا الى الدين الذى يوحد بينهم ليقفوا صفا واحدا في وجه الغزو المتكالب عليهم من كل ناحية، ويجعلوا حدا لهذا الافتراق الشنيع الذى تأصل في نفوسهم، وأسلمت هذه الحالة - اي حالة الصليبيين - الى حالة أخرى هي أدهى وأمر من سابقتها، الا وهو زحف المغول على الممالك الاسلامية الشرقية وتحطيمها تحطيما شنيعا، وأنهى بذلك الخلافة العباسية الرمزية وتدمير الحضارة البغدادية، ننقل بعض الفقرات من التاريخ. كيف اكتسح التتار الممالك الاسلامية وتخريبها. بيد أن الصليبيين كانوا في الشام ومصر وآسيا الصغرى، وداروا حول هذه الدوائر، ولم يتجاوزوها.
أما هجوم التتار الكاسح فقد انساب من أقصى الشرق لا يلوي على شيء الا جعله ركاما ولا على قوم الا جعلهم رميما حتى وصلوا الى الشام واستولوا على أكثره، وراموا مصر، ثم ارتدوا على أدبارهم خاسئين أمام جيش مصر والشام.
ولتذكر كلمة لابن الأثير في وصف التتار وما كان منهم في القرن السابع الهجري فإنها كلمة بليغة مصورة قال رحمه الله: لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها، وها أنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذى يسهل عليه أن يكتب على نعى الاسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، الى أن حثني جماعة من الاصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا فنقول: (هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو