قال قائل ان العالم مند خلق الله سبحانه، وتعالى آدم الى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التاريخ لم يتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ...
ولعل الخلق لا يرون مثل هده الحادثة الى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا الى خروج يأجوج ومأجوج، هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والاطفال، وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة (فانا لله وانا اليه راجعون)، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها، وسارت في البلاد كالرياح ... ان قوما خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان ... ومنها الى بلاد ما وراء النهر فملكوها ... ثم تعبر طائفة منهم الى خرسان فيفرغون منها ملكا وتخريبا وقتلا ونهبا، ثم يتجاوزونها الى الري وهمدان الى حدود العراق، ثم يقصدون بلاد أذربيجان ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج منها إلا الشريد الطريد النادر في أقل من سنة هذا ما لم يسمع بمثله أحد، ثم قصدوا بلاد قفجاق، وهم من أكثر الترك عددا، فقتلوا كل من وقف لهم، فهرب الباقون إلى الغياض وراء الجبال. وفارقوا بلادهم، واستولى هؤلاء التتار عليها، فعلوا هذا في أسرع زمان. ولم يلبثوا الا بمقدار سيرهم لا غير، ومضت طائفة أخرى غير هذه الطائفة الى غزنة وما جاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان ففعلوا بها مثل ما فعل هؤلاء، وأشد، هذا مما لم يطرق الاسماع مثله، فان الالسكندر الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، وانما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدا، وإنما رضى من الناس بالطاعة، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمورة من الأرض وأحسنها عمارة وأهلا، وأعدل أهل الأرض أخلاقا سيرة في نحو سنة، ولم يبت أحد من الناس ومن البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم. ويترقب وصولهم اليه، ثم أنهم لا يحتاجون الى ميرة ومدد يأتيهم فإنهم معهم الاغنام والبقر، والخيل وغير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير، وأما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات، ولا تعرف عن الشعير، فهم إذا نزلوا منزلا لا يحتاجون الى شيء من خارج.