للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد بالله وشهد أن لا اله الا الله انقلبت حياته ظهرا لبطن، وتغلغل الإيمان في أحشائه، وتسرب الى جميع عروقه ومشاعره وجرى منه مجرى الروح والدم، وغمر العقل والقلب بفيضانه وجعل منه رجلا غير الرجل الأول وأظهر من روائع الايمان واليقين والصبر والشجاعة ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما جبر العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق ولا يزال موضع الحيرة والدهشة منه الى الأبد.

ظهر المسلمون وتزعموا العالم، وعزلوا الطغاة عن الأمم، وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا عدلا، وقد توفرت فيهم الصفات لقيادة الامم، لأنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة الهية فلا يشرعون من عند أنفسهم لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم، قد جعل الله لهم نورا يمشون به في الناس وشريعة يحكمون بها بين الناس {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (١).

وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. (٢)

لأنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بدون تربية خلقية وتزكية نفس بل مكثوا زمنا طويلا تحت تربية محمد صلى الله عليه وسلم واشرافه الدقيق يزكيهم ويؤديهم ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والايثار على النفس وخشية الله وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها يقول (إنا والله لا نولى هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه) حديث متفق عليه ويجعلون دائما نصب أعينهم قوله عز وجل {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب تهافت الفراش على الضوء، بل كانوا يتدافعون في قبولها، ويتحرجون من تقليدها.


(١) سورة الانعام
(٢) سورة المائدة

<<  <   >  >>