للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد الغني - وقد نالته محنة في آخر عمره وحمل إلى واسط وحبس بدار فيها وكان بعض الناس يدخلون عليه ويسمعون منه وبقي على ذلك من سنة تسعين إلى سنة خمس وتسعين وخمسمائة فافرج عنه وقدم بغداد وخرج خلق كثير لتلقيه وفرح به أهل بغداد فرحًا عظيمًا وخلع عليه وجلس عند تربة أم الخليفة للوعظ وأنشد:

شقينا بالنوى زمنًا فلما … تلاقينا كانا ما شقينا

سخطنا عندما جنت الليالي … فما زالت بنا حتى رضينا

سعدنا بالوصال وكم شقينا … بكاسات الصدود وكم ضنينا

فمن لم يحيى بعد الموت يومًا … فأنا بعد ما متنا حيينا

ولم يزل الشيخ على عادته الأولى في الوعظ ونشر العلم وكتابته إلى أن مات قال سبطه أبو المظفر جلس جدي يوم السبت سابع شهر رمضان وكنت حاضرًا فأنشدنا أبياتًا قطع عليها المجلس أولها.

الله أسأل ان يطول مدتي … وأنال بالأنعام ما في منيتي

ثم نزل من المنبر فمرض خمسة أيام وتوفي ليلة الجمعة بين العشائين ثالث عشر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة في داره واجتمع أهل بغداد وغلقت الأسواق وقد غسل وقت السحر وشد تابوته بالحبال وحمل إلى تربة أم الخليفة مكان جلوسه فصلى عليه ابنه أبو القاسم علي ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور فصلوا عليه وكان يومًا مشهودًا ودفن عند قبر الإِمام أحمد وحزن الناس عليه حزنًا شديدًا وباتوا عند قبره يختمون الختمات بالقناديل والشموع ورؤيت له المنامات الصالحة وأنشد القادر العلوي قصيدة مطلعها:

الدهر من شر يغر ويخدع … وزخارف الدنيا تميل وتطمع

وأوصى أن يكتب على قبره:

يا كثير الصفح عمن … كثر الذنب لديه

جاءك المذنب يرجو … الصفح عن جرم يديه

أنا ضيف وجزاء … الضيف إحسان إليه

<<  <   >  >>