للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمود بن زنكي وله آثار جميلة منها مدرسته المشهورة بالجبل وهي وقف على أهل القرآن والفقه وقد صارت هذه المدرسة مأوى العلماء العاملين ومسكن الفقهاء الصالحين وقد رأس جماعة من مجاوريها وصاروا من أعيان المذهب ووجوه الناس وكان عَلَى مذهب السلف الصالح متمسكًا بالكتاب والسنة والآثار المروية وأنشد لنفسه:

أوصيكم في القول بالقرآن … بقول أهل الحق والايقان

ليس بمخلوق ولا بفاني … لكن كلام الملك الديان

آياته مشرقة المعاني … متلوة في اللفظ باللسان

محفوظة في الصدر والجنان … مكتوبة في الصحف بالبنان

والقول في الصفات يا أخواتي … كالذات والعلم مع البيان

امرارها من غير ما نكران … من غير تشبيه ولا عدوان

مرض الشيخ أبو عمر أيامًا فلما كان عشية الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وستمائة جمع أهله واستقبل القبلة وأوصاهم بتقوى الله ومراقبته وأمرهم بقراءة ياسين وكان آخر كلامه أن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون توفي رحمه الله وغسل في السحر ولم يتخلف عن جنازته أحد من القضاة والعلماء والأمراء والأعيان وعامة الخلق وكان يومًا مشهودًا ومات عن ثمانين سنة ولم يخلف دينارًا ولا درهمًا ولما مات رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول من زار أبا عمر ليلة الجمعة فكأنما رأى الكعبة فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه وحزر من حضر جنازته بعشرين ألفًا ورثاه الأديب أبو عبد الله محمد بن سعد المقدسي بقصيدة منها:

أبعد أن فقدت عيني أبا عمر … يضمني في بقايا العمر عمرانُ

ما للمساجد منه اليوم مقفرة … كأنها بعد ذاك الجمع قبعان

وكان والده الشيخ أبو العباس أحمد خطيب جماعيل رجلًا صالحًا زاهدًا عابدًا صاحب كرامات وأحوال حدث وروى عنه ولده أبو عمر والموفق ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ودفن بسفح قاسيون وإلى جانبه دفن ولده أبو عمر رحمهما الله تعالى.

<<  <   >  >>