للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقلب ويمتحن أركانها ويهز جوانبها هزًا عنيفا حتى تختلط تلك الصور المختلفة المتباينة ليخرج منها مزاج كانت "الأيام" مقدمة البشرى به ثم كان هامش السيرة ثمرته الأولى.

وقال هيكل: إن أدب الأسطورة هو أخصب ألوان الأدب، ويزيدها خصبا أن الكاتب والقارئ يعرفان جميعا أن المادة التي يعالجان هي من نوع الأسطورة لا جناح عليهم إذا هم أطلقوا للخيال فيها العنان فابتدعوا من خيالهم ما يزيد هذه الأساطير رقة وعذوبة ولا تحول بينهم وبين الأخذ بقول بعضهم "أعذب الأدب أكذبه" أي حائل. ولذلك أستميح طه العذر إن خالفته في اتخاذ النبي وعصره مادة لأدب الأسطورة.

وأشار إلى ما اتصل بسيرة النبي ساعة مولده وما روي عما حدث له من إسرائيليات روجت بعد النبي ثم قال: لهذا وما إليه يجب في رأيي أن لا يتخذ مادة لأدب الأسطورة، فإنما، يتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب ما اندثر أو ما هو في حكم المندثر، وما لا يترك صدقه أو كذبه في حياة النفوس والعقائد أثرًا ما. والنبي وسيرته وعصره تتصل بحياة ملايين المسلمين جميعًا، بل هي فلذة من هذه الحياة ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثرا في توجيهها. وطه يعلم أكثر مما أعلم أن هذه الإسرائيليات إنما أريد به إقامة أساطير مثولوجية إسلامية لإفساد العقول والقلوب من سواد العشب ولتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه. وقد كانت هذه غاية الأساطير التي وضعت عن الأديان الأخرى. ومن أجل ذلك ارتفعت صيحة المصلحين الدينيين في مختلف العصور لتطهير العقائد من هذه الأوهام.

ثم قال هيكل: من أجل ذلك أود أن يفصل طه فيما قد يكتب من بعد من فصول تجري مجرى "على هامش السيرة" بين ما يتصل بالعقائد وما لا يتصل بها.

<<  <   >  >>