انتهت حتمًا إلى إخراج هذا الكتاب، فهو قد روى لنا في كتاب الأيام الشيء الكثير عن طفولته وبدء صباه وكيف كان في تلك الأثناء متأثرا بظروفه وبيئته يخاف الأشباح ويتوهمها ويرسم منها في خياله عند وفاة أخيه ولمناسبات أخرى فنونا من الصور، ثم بدأ بعد ذلك يدرس في الأزهر ويقرأ سيرة النبي عليه السلام. ويقرأ في كثير من الكتب أساطير من الإسرائيليات التي لم يزف التحقيق في ذلك الزمن.
فلما بدأت ملكات الحكم تنمو وتتجه إلى ناحية التمام العقلي عنده وبدأ يستمع إلى الأدب وإلى العلوم الحديثة، بدأت تتكون ذاتيته وتنضج نضجا سريعا ملحا، وأول مظهر لتكوين الذاتية ظهور ملكة النقد.
وقد ظهرت في طه أول شبابه عاصفة لا يراها شيء ولا يثبت أمامها شيء وقد تناولت هذه الملكة ما وعى واستظهر في الأزهر فكان ذلك سبب خلافه مع شيوخه خلافا انتهى إلى ترك الأزهر والانتماء إلى الجامعة المصرية الوليدة إذ ذاك، وفي الجامعة وجد الطريقة العلمية في البحث؛ الطريقة التي أرضت عنده وترضي عند كل إنسان ملكة النقد إلى غاية ما تريد هذه الملكة من الرضى.
في ظل هذه الطريقة العلمية سقطت عن جوانب طه العقلية أكداس مما تعلم من قبل ولكن أين سقطت، في طوايا نفسه وفي البعيد العميق من خبايا ذاكرته.
"ثم صور" كيف أثار كتابه في الشعر الجاهلي اللائمة، مما دعاه إلى أن ينقطع إلى نفسه يقلب ويمتحن أركانها ويمتحن، ليرى آخر الأمر أن الناس ينئون بالحقيقة العلمية ويأبون حمل أمانتها ثم يقلب طه في نفسه