للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم عبد القادر المازني ١:

النزوع الملحوظ في أدب القصة الأوروبية إلى تناول المسائل الجنسية بلغة صريحة -أو إلى الأدب المكشوف- كما يقولون شبيه بالنزوع إلى العري بل الحركتان فرعان من أصل واحد، وهي في الغرب متسايرتان بخطى متقاربة وقد لا يكون ثم بأس في الفشو في نهاية الأمر. ولكن اليأس يكون من التجرد في جماعة كاسية، ومن الأدب المكشوف لأذهان ألفت الاستتار، وعلى أني لا أرى مزية للكشف لا تنال بالتحفظ بل إني لأرى على الإنسان خسارة لا تعوض.

إن الإنسان عرف الثياب فهو يستر بها جسمه ولو ظل عاريا كغيره من الحيوان لما كان للمسائل الجنسية وذكرها -أو حتى رؤيتها- أي تأثير في نفسه. فإنا نرى الحيوانات عارية ولا تخجل ونشهد تنزيها فلا تتحرك لذلك شهواتنا، وكان يمكن أن يكون هذا نظر الإنسان إلى الإنسان لو ظل عاريا، ولكنه استتر فكان من فضل الثياب أن صرفت ذهنه إلى حد كبير، عن جسمه وشهواته إلى ما هو أسمى وأعلى وإن جعلت ما في الثياب شيئا يستحيى منه ولا يذكره إلا بعبارة مستورة مثله، وصحيح أن الثياب أغرت بالتطلع والكشف ولكنها حجبت، فوجهت النفوس والعقول وجهات أخرى. وكان من فضلها هذا الرقي ولا فرق عندي بين أن تصف المسائل الجنسية -شاذة كانت أو غير شاذة- وصفا صريحا في قصد وأن تعري إنسانا في الطريق وتنزع عنه ثيابه.

وإذا كان أحد يرى فرقا فإني لا أراه، وما دام الإنسان يلبس الثياب


١ ٦ يوليو ١٩٣٥ البلاغ.

<<  <   >  >>