على أنني أشعر بميل ملح لأن أسر في آذان الأستاذ كلمة بيني وبينه: هو أن يحدثني عن الأساتذة الذين كان لهم فضل تثقيفه في مدرسة القضاء الشعري وفي الجامعة المصرية القديمة فهل يسمح له أدبه المعروف بأن ينكر ما تركه في نفسه من أثر كل من أساتذته: عاطف بركات ومحمد الخضري، وعبد الحكيم بن محمد وحسن منصور ومحمد المهدي وحفني ناصف وغيرهم.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
على أنني أريد أن أجاري الأستاذ، جدلا، في أن طلبة دار العلوم -أو على الأصح خريجها- لا يمثلون الحلقة المفقودة الموهومة. فهل لي أن أطمع في أنصافه بالاعتراف بأن خريجي دار العلوم عشرات قد تمموا دراساتهم العالية في جامعات إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وأن من الإسراف في الطعن والتجريح أن يدعي مدع أنه حتى هؤلاء لا يمثلون ما يسميه الأستاذ "الحلقة المفقودة" في أمة أنا وهو نعلم عدد المتعلمين فيها.
وثم غلط آخر وقع فيه صديقنا النابه. وأرجح الظن أن الذي أوقعه فيه هو خطؤه الأول في الحكم علينا -لأسباب نحرص أنفسنا على اعتقاد أننا نجهلها- ذلك أنه ادعى أن "إخواننا الهنود أسبق منا إلى إيجاد هذه الحلقة والانتفاع بها". فإن ما فرغ من أطرائه إخواننا الهنود على إيجاد "الحلقة المفقودة" عندهم حتى سطر بقلمه ما ينقض ذلك ... ويهدم كل ادعاء بأن حلقة مفقودة قد وجدت في الهند، ويسمع إليه القارئ حين يقول:"ولكن الهنود يعرضون وآسفاه ذلك باللغة الإنجليزية" مرحى مرحى! فهل يرى الأستاذ أن تأليف الهنود في الشريعة والتاريخ الإسلامي باللغة الإنجليزية يصل السلسلة المقطوعة بحلقة أو يقيم على الهوة السحيقة بين الشرق والغرب قنطرة.