جانب واحد من فترة من عصر من عصور الأدب العربي. وأعني بذلك أن الدكتور لم يزدنا علما بالعصر العباسي ولم يضف إلى ما نعرفه عنه جديدًا فلو لم يكتب هذه المقالات لما فاتنا شيء يذكر من هذه الناحية. ولكن هذه المقالات كشفت عن جانب من جوانب نفسه هو، لم يكن يتأنى لنا العلم به والاطلاع عليه ولو فقدنا هذه المقالات، وهذا هو الذي ربحناه. والواقع أننا جميعا نترجم لنفوسنا ونحدث الناس عنها ونكشف لهم عن دخائله حين نكتب مؤرخين أو مترجمين أو ناقدين أو غير ذلك.
٣- ألف١ الدكتور كتابا ودفعه إلى الناس وقال لهم في تواضع كله كبر: هذا ما رضيت لكم. وما هو بسفر أو كتاب كما أتصور السفر والكتاب، وإنما هي مباحث متفرقة "لست تجد فيها الفكرة الواضحة القوية المتحدة التي يعبر عنها المؤلفون حين يؤلفون كتبهم"، وبالغ في هذا التواضع المقلوب فأعلن إلى الناس أنه لم يعن بهذه المباحث العناية التي تليق بكتاب يعده صاحبه ليكون كتابا حقًا، كأنما أراد أن يقول لقراء الصحف السيارة وهم جمهور القراء في مصر: لستم أهل للعناية. كلا يا سيدي. ولكم وددت أنا -المازني- حين قرأت هذه المقدمة التي صدر بها الدكتور كتابه وقبل أن يصل حائك الأقدار ما بين أسبابي وأسبابه أن أعلمه احترام القراء.
ولقد سمعت الدكتور مرة يقول وقد عرض ذكر أسلوبه ما معناه أنه لا يطمع من الشهرة في أكثر ما وفق إليه من كثرة المقلدين الذين يقتاسون به وعندي أن الأساليب التي سهل محاكاتها هي أحلى الأساليب من المياسم الشخصية والميزات الخاصة التي يختلف بها كل كاتب عن كاتب.